و هذا أشدّ و هنا من الأوّل، فإنّ الّذي ينشأ بالإيجاب و القبول ليس هو التصرّف، بل ينشأ بهما التمليك و التملّك، أو النقل و الانتقال، أو المبادلة بين المالين، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ الّتي يشار بها إلى معنى واحد، و هو: ما يقع و يتحصّل من العقد و بالعقد، و التصرّف أثر ذلك المعنى، أي: أثر الملكية المنشأة بالعقد.
و تلخّص من كلّ ما ذكرنا: أنّ الميزان العدل أن يقال: إنّ الإيجاب هو: ما ينشئ به أحد العاقدين تمليك ماله و تملّك مال غيره، و القبول هو: الرضا بذلك و الالتزام به.
(مادّة: 103) العقد: التزام المتعاقدين و تعهّدهما أمرا. و هو عبارة عن: ارتباط الإيجاب بالقبول 1 .
العقود: ألفاظ و أقوال، و هي من مقولة الفعل، و الالتزام: صفة نفسانية من مقولة الكيف، و الارتباط: وصف قائم بالإيجاب و القبول، و هو من مقولة النسب و الإضافات، فلا ربط لكلّ واحد من هذه المفاهيم المتغايرة بالآخر، و لا وجه لتفسير بعضها ببعض.
فالعقد ليس التزاما و لا ربطا و لا ارتباطا، و إنّما هو الإيجاب المرتبط بالقبول، أي: الإيجاب المقترن بقبوله. و ليس المنشأ بالإيجاب الالتزام، بل الّذي ينشأ به هو التمليك أو المبادلة. و لازمه-عقلا و شرعا-هو التعهّد و الالتزام، و لا شيء منهما بمدلول للإيجاب لا بالتضمّن و لا الالتزام فضلا عن
[1] وردت المادّة بلفظ: (العقد: التزام المتعاقدين أمرا و تعهّدهما به... ) في شرح المجلّة لسليم اللبناني 1: 64.
و قارن: المنثور في القواعد 2: 397، التعريفات للجرجاني 108، الفتاوى الهندية 3: 2، حاشية ردّ المحتار 4: 504.