بين الاخبار و الإنشاء فإنّ الإنشاء على ما عرّفه عين استعمال اللّفظ في المعنى و للإخبار مئونة زائدة و هو قصد الحكاية فيلزم منه صدق الإنشاء في الجميع سيّما إذا لم يقصد به الحكاية كما إذا قصد به المثال كقول ابن مالك:
الفاعل الذي كمرفوعي أتى * * * زيد منيرا وجهه نعم الفتى
و كقوله:
لا أقعد الجبن عن الهيجاء * * * و لو توالت زمر الأعداء
و الغرض أنّه على فرض صحّة الضابط المذكور للإنشاء يلزم أن تكون هذه الأمثلة من الإنشائيات؛ لكون استعمال اللّفظ فيها إيجادا للمعنى على مسلكه، من دون قصد الحكاية فيها عن الخارج، و هو كما ترى خرق لاتّفاق القوم.
و ثالثا: لو كان المراد بالإيجاد هذا المقدار فهو يتصرّم و ينعدم بعد الحدوث، و لا وجه لبقائه، و هو خلاف ما تسالموا عليه، من بقاء المنشأ بالإنشاء الصحيح، و تعلّق الردّ و الإجازة به فيعلم أنّ له موطنا مستقلّا يبقى مع انعدام الألفاظ و انقضائها.
و رابعا: يلزم منه حسن التكلّم بكلّ كلام سخيف، و كذب، و باطل. و إذا واجه الاعتراض و الإنكار اعتذر بأنّي ما أردت قصد الحكاية عن الخارج و إنّما قصدت إنشاء المعنى باللّفظ؛ لأنّ كلّ لفظ وجود تنزيلي للمعنى و ركاكة ذلك لا يخفى على أحد.
و السرّ فيه أنّ الإنشاء عبارة عن إيجاد المعنى في عالم الإنشاء بوجود إنشائي، و هو في نظر العرف و العقلاء محدود بالامور القابلة لذلك، كالنداء، و الاستفهام، و التمنّي، و الترجّي، و أنواع الامور الاعتباريّة، كمضامين العقود و الإيقاعات. و أمّا الامور التكوينيّة الخارجيّة فغير قابلة للإنشاء لدى الذوق السليم، و هو يكشف عن بطلان المبنى المزبور. و قد تحصّل ممّا ذكرنا أولوية مبنى المحقّق الخراساني (قدّس سرّه) و هو مختارنا.