أقول: أمّا ما أفاده بالنسبة إلى مفاد الجملة الخبرية ففيه أنّه خلاف المتبادر من الجملة الخبرية؛ لأنّها مشتملة على موضوع و محمول و هيئة تدلّ على النسبة بين الموضوع و المحمول، فقصد الحكاية من أين تأتي في البين. بل ليس منها في الأفهام و ترجمة الكلام عين و لا أثر، و أمّا ما استدلّ به عليه فغير تامّ.
أمّا الدليل الثاني: فيرد عليه أنّ الوضع ليس عبارة عن التعهّد و الالتزام، بل عبارة عن التخصيص العلامي و قد تقدّم بحثه.
و لو سلّمنا كونه بمعنى التعهّد و الالتزام و أنّ التعهّد لا يتعلّق إلّا بما يكون داخلا تحت القدرة فنمنع كون متعلّقه خارجا عن إطار القدرة و الاختيار في المقام، ضرورة أنّ التعهّد حينئذ يتعلّق بأداء اللّفظ عند وقوع النسبة في الخارج و يكفي في كونه مقدورا كون التلفّظ في الحالة المخصوصة مقدورا، أ لا ترى أنّ الصلاة عند دلوك الشمس و الصوم عند حلول شهر رمضان مقدور، مع أنّ نفس الدلوك و حلول الشهر غير مقدور.
و أمّا الدليل الأوّل: و هو أنّ حكمة الوضع تقتضي كون المعنى قصد الحكاية دون نفس وقوع النسبة في الخارج؛ لأنّ ما يدّل عليه اللّفظ و هو الذي يحصل للمخاطب العلم به هو قصد حكاية المتكلّم، و أمّا نفس وقوع النسبة فكلّا، ففيه:
أنّ الحكمة تقتضي كون الوضع و ما أشبهه من الأفعال مؤثّرا في ترتّب الأثر المطلوب و لو بنحو الاقتضاء، و هذا موجود في المقام على مسلك المشهور؛ لأنّ المطلوب النهائي حجّية الكلام في معناه، و هو وقوع النسبة في الخارج و له مراحل:
الاولى: الدلالة التصوّرية للكلام على المعنى، و هو كون سماع اللّفظ موجبا لانتقال الذهن إلى المعنى، و هي تحصل بالوضع، إذ لولاه كان اللّفظ مهملا غير كاشف عن أيّ معنى من المعاني.