ثمّ إنّ عبيد بن الأبرص كان أول من أشرف على المنذر في يوم بؤسه، فقال: هلاّ كان الذبح لغيرك يا عبيد، فقال: "أتتك بحائن رجلاه"، فأرسلها مثلا. فقال له المنذر:
أو أجل بلغ إناه، و قال له المنذر: أنشدني، فقد كان شعرك يعجبني، فقال عبيد:
"حال الجريض دون القريض، و بلغ الحزام الطبيين"، فأرسلها مثلا. فقال له النعمان:
أسمعني، فقال: "المنايا على الحوايا"، فأرسلها مثلا. فقال له آخر: ما أشدّ جزعك من الموت، فقال: "لا يرحل رحلك من ليس معك"، فأرسلها مثلا. فقال له المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك، فقال عبيد: "من عزّ بزّ"، فأرسلها مثلا. فقال المنذر:
أنشدني قولك: أقفر من أهله ملحوب، فقال عبيد:
أقفر من أهله عبيد # فليس يبدي و لا يعيد
عنت له عنّة نكود # و حان منها له ورود
فقال له المنذر: يا عبيد، ويحك أنشدني قبل أن أذبحك، فقال عبيد: و اللّه إن متّ لما ضرّني و إن أعش ما عشت في واحدة. فقال المنذر: إنّه لا بدّ من الموت، و لو أنّ النعمان عرض لي في يوم بؤس لذبحته، فاختر إن شئت الأكحل، و إن شئت الأبجل، و إن شئت الوريد، فقال عبيد: ثلاث خصال كسحابات عاد واردها شرّ وراد و حاديها شرّ حاد و معادها شرّ معاد و لا خير فيه لمرتاد، و إن كنت لا محالة قاتلي فاسقني الخمر حتى إذا ماتت مفاصلي و ذهلت لها ذواهلي فشأنك و ما تريد. فأمر المنذر بحاجته من الخمر حتى إذا أخذت منه و طابت نفسه، دعا به المنذر ليقتله، فلمّا مثل بين يديه أنشأ يقول:
و خيّرني ذو البؤس في يوم بؤسه # خصالا أرى في كلّها الموت قد برق
كما خيّرت عاد من الدهر مرّة # سحائب ما فيها لذي خيرة أنق
سحائب ريح لم توكل ببلدة # فتتركها إلاّ كما ليلة الطلق
فأمر به المنذر ففصد، فلمّا مات غري بدمه الغريان. [1]