لمّا كانت النجف بهذه الحال في مجالسها العلمية و ندواتها الأدبية، و ما يفيضه المرقد المطهّر لأمير المؤمنين عليه السّلام من فيوضات روحية على ساكنيه، كلّ ذلك جعل من هذه المدينة مهوى أفئدة من تركها و سافر عنها بدافع التوجيه الديني و الإرشاد و قضاء حوائج الناس ممّا يقوم به العلماء في أنحاء البلاد، و قد تعود شدّة الحنين بالمغترب على الرجوع إلى النجف للإقامة فيها و ترك وطنه الأصلي و مسقط رأسه، أو تبقيه على اتصال بالنجف بمراسلاته الأدبية و قصائده الإخوانية، و فيما يلي ما عثرنا من أشعار المغتربين عن النجف:
من مقطوعة للشيخ بشارة بن عبد الرحمان آل موحي الخاقاني المتوفى سنة 1186 هـ، نظمها في"بم"، قرية من أعمال كرمان، أعرب فيها عن شوقه للنجف، قوله:
رعى اللّه الغري و ساكنيه # و إن أفتوا ملالا بالنوى لي
لئن هم أبعدوني عن حماهم # فلست و دارهم يوما بسالي
أكرّر ذكرهم نظما و نثرا # فيحلوا عند ذكرهم مقالي
بباب النهر مرّت لي ليال # حلالي العيش في تلك الليالي
فكم من ليلة فيها جلسنا # مع الأحباب في روس الجبال
و كم أيام سعد قد تقضّت # لنا و القبّة البيضا حيالي
و كم في الروضة الخضرا سقينا # رياض الود من غيث الوصال
و له أيضا يتشوّق إلى النجف:
بزغن شموس أم طلعن بدور # أم الشوق من ضوء الصباح منير
و برق تراءى أم لليلى و تربها # تبسّمن عن درّ فبنّ ثغور
إلى أن يقول:
و أعرضت عن ليلى و وصفي جمالها # فما عندها إلاّ جفا و نفور
و ملت إلى ذكر الغري و أهله # أهيل لنا فيهم غنى و سرور