و تفاوتت مواقف و آراء أدباء و علماء النجف شأن غيرهم في نظم الشعر، فمنهم من جمع بين العلم و النظم، و منهم من أعرض عن الشعر ورآء نقصا، أو قصر شعره في العقائد و أهل البيت عليهم السّلام، و منهم من أتلف شعره، و من عرف بكثرة النظم.
و فيما يلي عرض ما أمكننا استقصاءه لكلّ فريق منهم:
من جمع بين العلم و الشعر
في تاريخ الأدب النجفي الكثير من علماء الدين الذين عرفوا و اشتهروا بنظم الشعر، و قد دافع البعض منهم عن موقفه و تمسّك بآرائه. و غير خفي أنّ هؤلاء الأعلام كانت غاياتهم من نظم القريض و الاعتناء به من قبلهم هو ليجعلوا من أدبهم و شعرهم قالبا يفرغون فيه خواطرهم الفقهية و آراءهم الكلامية و نظراتهم الدينية و قواعدهم الأخلاقية، كما ظهر ذلك بجلاء في ردود القصيدة البغدادية-كما ستأتي. و نحن نورد هنا قصّة دافع فيها جمع من العلماء الأدباء عن مواقفهم اتجاه نظمهم الشعر:
لمّا جاء السيّد صدر الدين محمد بن صالح العاملي المتوفى سنة 1264 هـ، من إيران إلى النجف رأى جمعا من العلماء يتعاطون الأدب، منهم: الشيخ نصّار بن حمد العبسي، و بعض آل محيي الدين، و فريق من آل الأعسم، و هم يختلفون على الشيخ علي بن الشيخ جعفر صاحب"كشف الغطاء"المتوفى سنة 1253 هـ، و ذلك قبل أن تنتهي إليه المرجعية، فأعاب السيّد العاملي عليهم و قبّح فعلهم و حذّرهم من إيقاعهم في محرّم كاستعمال التشبيب و الغزل، على أنّ السيّد صدر الدين كان من الأدباء و له ديوان شعر كبير، فانبرى الجميع لإجابته بقصيدة، منهم الشيخ علي كاشف الغطاء، بقوله، و الصدر للشريف الرضي:
بأي كتاب أم بأيّة سنّة # يحلّ لديها نقض عهدي و ذمّتي
و تنسب للتشبيب مثلي ضلّة # و كم لي عليها من يد مستهلّت
و لا أعرف التشبيب إلاّ بوصفه # و لا كان يوما في الغرام تعلّتي