استطاع علماء العراق عامة و النجف خاصة في هذا الدور أن يمسكوا بزمام الأمور برعايتهم للدين و الدنيا، و أن يصبحوا المرجع الأول بين علماء الأمصار الشيعية، و لهم القول الفصل فيما يصدر من أحكام و ما تظهر من آراء و ما يتّخذ من أعمال دينية كانت أم اجتماعية أم مدنية أو سياسية، و يمكن توضيح أبرز أسباب ذلك بما يلي:
1-حرصهم على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ما كان لهم إلى ذلك سبيلا.
فكان موقف شيخ الطائفة جعفر صاحب"كشف الغطاء"المتوفى سنة 1227 هـ مع أرباب المعامل التي تصنع الخمور في شيراز و منعه عملها و بيعها و ما أعقب ذلك من آثار رادعة، قد جعل ذلك قصّة مشهورة تتغنّى بها الركبان.
و من إنكاره المنكر و إرشاداته الثمينة كتابه إلى أهل خوي في إيران لمّا توسّعت دعوة الصوفية فيهم، و كان فيه توبيخ و تهديد و تحذير و استعطاف، و ممّا ورد فيه:
"إلى الإخوان الكرام و الأجلاّء العظام أعاظم أهل خوي و أعيانها... اللّهم إنّي نصحت فلا تؤاخذني بذنوب أهل خوي و أمثالهم يا أرحم الراحمين". [1]
و كانت فتوى السيّد المجدّد الميرزا محمد حسن الشيرازي المتوفى سنة 1312 هـ بتحريم شرب التنباك على شعب إيران، إثر بيع حكومة السلطان ناصر الدين شاه بعض المعادن و التنباك في إيران على بعض الساسة الإنگليز بتسويل بعض أرباب مملكته برشى تقدّمت إليهم، فترتب على هذه الفتوى الأثر الكبير، و نزل الإنگليز عن ضمانهم.
2-دأبهم على محاربة الفرق و الجماعات الضالّة و إصدار فتاوى تحرّم الإنتماء إليها.
فقد رفض علماء النجف سنة 1260 هـ استقبال ممثّل"البابية"محمد بن شبل و المرأة "قرّة العين"و مرافقيه البالغ عددهم نحو خمسين أو ستّين رجلا-كما سيأتي ذلك في