معلولا لاختياره بأن يصدر الفعل عنه بترجيحه جانب الوجود أو العدم بعد كون فعله و تركه للمكلف و ميله إليهما على السواء.
و ما ذكرناه هو الملاك في اختيارية الأفعال و صحة المؤاخذة و العقوبة و حسن الثواب، لا ما ذهب إليه المحقق الخراساني (قدّس سرّه) من كون ملاكها مسبّبية الفعل عن الإرادة و صدوره بها، لأنّ الحيوان أيضا يصير على هذا المبنى مختارا و مستعدا لتوجيه التكليف إليه.
و بالجملة: خلق الإنسان ذا أميال مختلفة و غرائز متباينة، لأنّ النفس الإنسانية متكوّنة من الرقائق المتضادة فلها ميول حسب ما تقتضيه تلك الرقائق، فلا محالة يكون للإنسان بالنسبة إلى فعل كل شيء و تركه ميل إلى أحدهما حسب تلك الميول.
و منحه اللّه تعالى القوة العقلية لتمييز الصلاح و الفساد، و بعث الأنبياء (عليهم السلام) ليعاونوا العقل على ذلك و على إتيان الصالحات و ترك السيئات، فلا يصدر عنه فعل و لا ترك إلّا بعد ترجيحه أحد الطرفين، و هذا هو معنى الاختيار.
و قد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً[1].
الأمشاج: جمع المشج، و معناه المختلط. فالمعنى و اللّه العالم: أنّه تعالى خلق الإنسان من مختلطات، أجزاؤها أيضا مختلطة، و هذا