و أمّا قوله: أمّي خير من أمّه، فلعمري فاطمة ابنة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) خير من أمّي، و أمّا قوله:
جدّي خير من جدّه، فلعمري ما أحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر يرى لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فينا عدلا و ندّا، و لكنّه إنّما أتى من قبل فقهه، و لم يقرأ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[1] [آل عمران: 26].
ثم أدخل نساء الحسين على يزيد، فصاح نساء آل يزيد و بنات معاوية، و أهله، و ولولن، ثم إنّهنّ أدخلن على يزيد، فقالت فاطمة بنت الحسين- و كانت أكبر من سكينة-: أ بنات رسول اللّه سبايا يا يزيد؟!
فقال يزيد: يا ابنة أخي، أنا لهذا كنت أكره. و في رواية أخرى قال: بل حرائر كرام، ادخلي على بنات عمك تجدين قد فعلن ما فعلت.
قال: يا ابنة أخي! ما آت إليّ أعظم ممّا أخذ منك، ثم أخرجن فأدخلن دار يزيد بن معاوية، فلم تبق امرأة من آل يزيد إلّا أتتهنّ، و أقمن المأتم، و أرسل يزيد إلى كلّ امرأة ما ذا أخذ لك؟ و ليس منهنّ امرأة تدّعي شيئا بالغا ما بلغ إلّا قد أضعفه لها [3].
فكانت سكينة تقول: ما رأيت رجلا كافرا باللّه خيرا من يزيد بن معاوية!
ثم أدخل الأسارى إليه، و فيهم علي بن الحسين، فقال له يزيد: إيه يا علي؟!
فقرأ علي من كتاب اللّه تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ
[1]. ذكر الخبر الطبري في التاريخ 4: 657- 658، و ابن الأثير في الكامل 3: 299، و ابن الجوزي في المنتظم 5: 343.
[2]. الخرص: حلقة القرط، أي: ما ترك لنا صغيرة و لا كبيرة إلّا انتهبوها منّا.
[3]. انّ أدنى ملاحظة أو متابعة لأخلاق يزيد هذا، كما يحكيه تاريخه و سيرته، نجد خلاف هذا الذي يرويه ابن كثير في البداية 8: 197- 198 و هو يعزيه إلى القيل.