ثم ذكر أنه سأل شيخه سيدي علي الخواص عن المراد بهذا الحديث: هل العلم عام لجميع ما علمته أمته من معقول و منقول في فقه أو نحو أو أصول أو غير ذلك؟ فقال له:
نعم، هو شامل لجميع ذلك، قال: فقلت له: فما المراد بالأولين و الآخرين؟ فقال: من تقدمه من الأمم، و من تأخر من أتباعه إلى يوم القيامة، راجعه.
و في «الفتوحات المكية» في الباب الرابع و الثلاثين بعد ما ذكر أن للّه تعالى عبادا خرق لهم العادة في إدراكهم العلوم، فمنهم من جعل له إدراك ما يدرك بجميع القوى بقوة البصر خاصة، و آخر بقوة السمع، و هكذا جميع القوى، ثم بأمور عرضية خلاف القوى من ضرب و حركة و سكون، و غير ذلك ما نصّه:
قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم): «إن اللّه ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي، فعلمت علم الأولين و الآخرين».
فدخل في هذا العلم كل معلوم معقول و محسوس مما يدركه المخلوق، فهذا علم حاصل لا عن قوة من القوى الحسية و المعنوية، فلهذا قلنا: إن ثم أشياء أخر خلاف هذه القوى تدرك به المعلومات انتهى.
و قال ابن حجر المكي في شرح الهمزية لدى قوله لك ذات العلوم ما نصه: أكثر علوم نبينا (صلى اللّه عليه و سلّم) تتعلق بالمغيبات بدليل: «فعلمت علم الأولين و الآخرين» انتهى.
و تقدّم في كلام الشيخ سيدي عبد الغني النابلسي في شرح الفصوص و صفه بالصحة أيضا، و قد أشار إليه من قال:
إن تك فاتح الخيرات طرّا* * * فإنك قد ختمت المرسلينا
لوم الآخرين عليك قصت* * * و قد أوتيت علم الأولينا
كما أشار إلى حديث: «أنا مدينة العلم و على بابها [1]» من قال أيضا:
قلبي بمنجد نازل بقبابى* * * فيها مليح سيد الأعراب
[1] رواه الديلمي في الفردوس (1/ 36)، و الحاكم في المستدرك (3/ 137).