غرضه بأسباب غيبيّة، و تعدّ ممّا وراء الطبيعة؛ لأنّ ذلك يستلزم بطلان الثواب و العقاب، بل لغويّة إرسال الرسل و الأنبياء.
يشترك في ذلك الرسول و الوصيّ، فهو من شرائط المبلّغ رسولا كان أو إماما، و لكن بينهما فرق، و هو أنّ الرسول من حيث إنّه مؤسّس يجب عليه الابتداء بالدعوة و التبليغ بحسب المتعارف بخلاف الإمام؛ لأنّ الحجّة قد تمّت على الناس بدعوة الرسول، فوجب عليهم أن يبحثوا أن يسألوا، و لا يجب على الإمام أن يتطلّبهم بالدّعوة.
يجب على الناس أن يقصدوا الإمام و يسألوا عنه معالم دينه بعد حفظه و دفع العدوّ عنه كما وجب عليهم بالنسبة إلى الرسول، فإذا خالفوا هذا التكليف و تركوه قائما بنفسه يخشى القتل و يخاف العدوّ من غير رادع و مانع جاز له الاعتزال و السكوت و ترك وظيفة التبليغ و الدعوة، و المسؤوليّة في ذلك متوجّهة إلى الناس لا إلى الإمام، و إلى ذلك أشار المحقّق الخواجة نصير الدين الطوسي طاب ثراه في كتابه «تجريد الاعتقاد» بقوله: الإمام لطف، و تصرفه لطف آخر، و عدمه منّا. [1] إذا عرفت ذلك فنقول يمكن أن يقال في فلسفة الغيبة وجوه:
الأوّل: التأديب للشيعة و مجازاتهم، بل و لغيرهم
إنّ الأمّة التي فيها الرسول أو الإمام إذا لم تقم بواجب حقّه و عصت أو امره و لم تمتثل نواهيه، و بالجملة لم تؤثّر فيها دعوته، بل و تجاوزت في الحدّ حتّى صارت توذيه بكلّ وسيلة، جاز له تركها و الاعتزال عنها تأديبا و تنبيها، فلعلها ترجع و تؤوب إلى رشدها، و تطيع و تنقاد و تدرك فوائد وجود الرسول و الإمام بين أظهرها مبلّغا هاديا، و مرشدا داعيا، و من هذا الباب قوله تعالى: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ مََا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللََّهِ[2] الآية.
[1] . شرح تجريد الاعتقاد، ص 285، طبعة مكتبة المصطفوي.