فلما خرج من آخر الأبحر قال اللّه تعالى: «يا حبيبي و يا سيد رسلي و يا أول مخلوقاتي و يا آخر رسلي، أنت الشفيع يوم المحشر». فخرّ النور ساجدا ثم قام، فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف و أربعة و عشرين ألف قطرة. فخلق اللّه تعالى من كل قطرة من نوره نبيا من الأنبياء.
فلما تكاملت الأنوار صارت تطوف حول نور محمد (صلّى اللّه عليه و آله) كما تطوف الحجاج حول بيت اللّه الحرام، و هم يسبحون اللّه و يحمدونه و يقولون: «سبحان من هو عالم لا يجهل، سبحان من هو حليم لا يعجل، سبحان من هو غني لا يفتقر».
فناداهم اللّه تعالى: «تعرفون من أنا»؟ فسبق نور محمد (صلّى اللّه عليه و آله) قبل الأنوار و نادى: «أنت اللّه الذي لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، رب الأرباب، و ملك الملوك». فإذا بالنداء من قبل الحق: «أنت صفيي، و أنت حبيبي و خير خلقي. أمتك خير أمة أخرجت للناس».
ثم خلق من نور محمد (صلّى اللّه عليه و آله) جوهرة، و قسّمها قسمين. فنظر إلى القسم الأول بعين الهيبة فصار ماء عذبا، و نظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منها العرش، فاستوى على وجه الماء.
فخلق الكرسي من نور العرش، و خلق من نور الكرسي اللوح، و خلق من نور اللوح القلم، و قال له: «اكتب توحيدي». فبقي القلم ألف عام سكران من كلام اللّه تعالى.
فلما أفاق قال: «اكتب». قال: يا رب، و ما أكتب؟ قال: اكتب: «لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه». فلما سمع القلم اسم محمد (صلّى اللّه عليه و آله) خرّ ساجدا و قال: «سبحان الواحد القهار، سبحان العظيم الأعظم». ثم رفع رأسه من السجود و كتب: «لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه».
ثم قال: يا رب و من محمد الذي قرنت اسمه باسمك و ذكره بذكرك؟ قال اللّه تعالى له: «يا قلم، فلولاه ما خلقتك، و لا خلقت خلقي إلا لأجله. فهو بشير و نذير و سراج منير و شفيع و حبيب».