فعرج بها الأمين جبرئيل فغمسها في عين السلسبيل حتى نقيت كالدرة البيضاء.
فكانت تغمس كل يوم في نهر من أنهار الجنة و تعرض على الملائكة، فتشرق أنوارها فتستقبلها الملائكة بالتحية و الإكرام، و كان يطوف بها جبرئيل في صفوف الملائكة.
فإذا نظروا إليها قالوا: إلهنا و سيدنا، إن أمرتنا بالسجود سجدنا، فقد اعترفت الملائكة بفضله و شرفه قبل خلق آدم.
و لما خلق اللّه آدم سمع في ظهره نشيشا كنشيش الطير و تسبيحا و تقديسا؛ فقال آدم:
يا رب، و ما هذا؟ فقال: يا آدم، هذا تسبيح محمد العربي، سيد الأولين و الآخرين. فالسعادة لمن تبعه و أطاعه، و الشقاء لمن خالفه. فخذ يا آدم بعهدي، و لا تودعه إلا الأصلاب الطاهرة من الرجال، و الأرحام من النساء الطاهرات الطيبات العفيفات.
ثم قال آدم: يا رب، لقد زدتني بهذا المولود شرفا و نورا و بهاء و وقارا، و كان نور رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في غرة آدم كالشمس في دوران قبة الفلك. أو كالقمر في الليلة المظلمة، و قد أنارت منه السموات و الأرض و السرادقات و العرش و الكرسي. و كان آدم إذا أراد أن يغشي حواء أمرها أن تتطيب و تتطهر. و يقول لها: اللّه يرزقك هذا النور و يخصك به، فهو وديعة اللّه و ميثاقه. فلا يزال نور رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في غرة آدم.
فروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان اللّه و لا شيء معه؛ فأول ما خلق نور حبيبه محمد قبل خلق الماء و العرش و الكرسي و السموات و الأرض و اللوح و القلم و الجنة و النار و الملائكة و آدم و حواء بأربعة و عشرين و أربعمائة ألف عام.
فلما خلق اللّه تعالى نور نبينا محمد (صلّى اللّه عليه و آله) بقي ألف عام بين يدي اللّه عز و جل واقفا يسبحه و يحمده، و الحق تبارك و تعالى ينظر إليه و يقول: يا عبدي أنت المراد و المريد، و أنت خيرتي من خلقي. و عزتي و جلالي، لولاك ما خلقت الأفلاك، من أحبك أحببته، و من أبغضك أبغضته.
فتلألأ نوره و ارتفع شعاعه، فخلق اللّه منه اثني عشر حجابا، أولها حجاب القدرة، ثم حجاب العظمة، ثم حجاب العزة، ثم حجاب الهيبة، ثم حجاب الجبروت، ثم حجاب