قد علم القوم من أهل العمد * * * إن الفتى سيد أهل النجد [1]
فكنف [2] أبو طالب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تبنّاه و خصّه و أدناه، و كان أفضل كل ولده عنده و أحبّهم إليه، و أراد أبو طالب عليه السّلام سفرا إلى الشام في جماعة من قريش فتأهب له و أخذ في عدته و جهازه، فرأى من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كسرة و أبصر عليه كآبة، فسأله عن حاله، فشكا إليه فقده و ما يجد من الوحشة بعده، و سأله أن يخرج به معه، فرقّ له أبو طالب و خرج به معه، فنزلوا بقرب صومعة راهب بأرض بصرى يقال له: بحيراء، و كانت قريش تمرّ به كثيرا و تنزل بقرب صومعته، فلا ينزل إليهم و لا يكلم أحدا منهم، فلمّا نزلوا ذلك المنزل و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معهم، نزل إليهم ذلك الراهب و سألهم عن حالهم، و كان ذا علم بالكتب و أخبار ما يكون، فنظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تأمله و سأله عن حاله و قصته، فأخبر بذلك فخلا بأبي طالب و قال له: إن لابن أخيك هذا شأنا، و أنه سيبعث نبيا و هذا وقته و هذه صفته، فاحذر اليهود عليه و ارجع به إلى بلدك، فإن اليهود إن رأوه خفتهم عليه.
فهو على ذلك معهم إذ أقبل عليه قوم من اليهود فرأوا بحيراء مع أبي طالب، و نظروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعرفوا دلائل النبوة فيه، فهمّوا به، فهمّوا به، فخلا بهم بحيراء و نهاهم عنه و حذرهم أمر قريش، و أنهم لن يسلموه، و انصرف أبو طالب إلى مكة، و قال أبو طالب في ذلك:
محمد ذو العرف و الذوائب * * * و لست بالأمس غير الراغب
بأن يحق اللّه قول الراهب * * * فيه و أن يفضل آل غالب
إني سمعت أعجب الأعاجب * * * من كل حبر و عالم و كاتب
بأنه يقتاد كالجنائب * * * من حل بالأبطح و الأخاشب
[1]- تاريخ اليعقوبي: 2/ 13، الفضائل لابن شاذان: 45.