و ولي بعد عمر بن العزيز يزيد بن عبد الملك، و كان منهمكا في الخلاعة و البطالة، و هو صاحب حبابة و سلامة المشهور بهما، و سمّاع للغناء و اللهو، لا يرفع رأسه منه.
قال الميداني: و كانت حبابة و سلامة قينتين بالمدينة، فأمّا سلامة فكانت لسهيل بن عبد الرحمن، و لها يقول ابن قيس الرقيات:
لقد فتنت ريّا و سلامة القسا * * * فلم تتركا للقس عقلا و لا نفسا
فتاتان أما منهما شبيهة * * * الهلال و أخرى منهما تشبه الشمسا
اختان إحداهما كالشمس طالعة * * * في يوم دجن و أخرى تشبه القمرا [1]
هذا هو عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية، و كان قد فتن بسلامة، و فيها يقول:
أهابك أن أقول بذات نفسي * * * و أني لو اطعت القلب قالا [2]
و كان القيس هذا عابدا ورعا، فسمع غناء سلامة عن غير تعمد، فبلغ ذلك منه كل مبلغ، فرآه مولاها فقال: هل لك أن تدخل فتسمع؟
فأبى، فقال له مولاها: اقعدها لك في موضع تسمع غناءها و لا تراها و لا تراك.
فأبى، فلم يزل به حتى دخل و أسمعه غناءها، فزاد إعجابا بها فقال له مولاها: هل لك أن أخرجها إليك؟
فأبى، فلم يزل به حتى أخرجها و أقعدها بين يديه، فتغنّت فشغف بها و شغفت به و اختلف إليها.
فقالت له يوما: أنا و اللّه أحبك.
[1]- ديوان عبيد اللّه بن قيس الرقيات: 33، تاريخ دمشق: 69/ 232.