و احتفر الوليد بن عبد الملك بئرا بمكة بين طوى و الحجون، فخرج ماؤها عذبا و ترك الناس زمزم و كانوا يستقون منها، فأخبر بذلك الوليد فكتب إلى خالد بن عبد اللّه القسري و كان قد استخلفه على مكة: أن يخطب الناس و يعرّفهم فضله بذلك.
و خطبهم على المنبر فقال: أيها الناس، أيّهما أعظم خليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم؟
و اللّه لو لم تعلموا فضل الخليفة على الرسول إلّا بما شاهدتموه، إن إبراهيم خليل الرحمن استسقاه لابنه اسماعيل فسقاه ملحا أجاجا، و استسقاه الخليفة لكم فسقاكم عذبا زلالا.
فأكبر الناس ذلك من قوله، و انتهى إلى الوليد فأعجبه و حمده له، فأصبح الناس يوما إلى تلك البئر التي احتفرها الوليد ليستقوا منها، فأصابوها قد غارت و هوت و ارتدمت، فلم يدر أين مكانها إلى اليوم [2].
و أبقى الوليد خالدا بن عبد اللّه القسري على مكة إلى أن هلك الوليد لم يعزله، و لا أنكر عليه ما قاله فيه من تفضيله على النبيين، لعنهما اللّه و من والاهما من الناس أجمعين [3].
[1]- الاخبار الطوال: 327، تاريخ الطبري: 5/ 223، تاريخ ابن خلدون: 3/ 60.
[2]- تاريخ الطبري: 5/ 225، الكامل في التاريخ: 4/ 205، البداية و النهاية: 9/ 92.
[3]- قال ابن الاثير في كامله 5/ 280: و كانت أم خالد نصرانية رومية، ابتنى بها أبوه في بعض أعيادهم فأولدها خالدا و أسدا، و لم تسلم، و بنى لها خالد بيعة فذمّه الناس و الشعراء، و من ذلك قول الفرزدق:
ألا قطع الرحمن ظهر مطية * * * أتتنا تهادى من دمشق بخالد