و ممّا موّه معاوية و موّه لديه: أن قيل: كان كاتب الوحي، لأنه كتب شيئا من القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كانت الكتابة في العرب يومئذ قليلة، فمن كان يحسن أن يكتب استكتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد كتب مثل ذلك جماعة ممّن لم يدع إمامة، و لا استوجب بذلك فضيلة من فضائلها، مثل: حنظلة بن ربيعة من بني تميم، و زيد بن ثابت من الأنصار، و عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، و بدّل ما أملي عليه فقال: قد أنزلت قرآنا.
فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه: وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ[1] فهدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دمه، و كان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، فتطاول عليه فسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه فأعرض عنه، فلمّا ولّى عثمان استعمله على مصر و بعث به ففتح إفريقية، فما حجز هذا كاتب الوحي عن لعنة اللّه و لعنة رسوله صلّى اللّه عليه و آله.
و إن نزل القرآن بما نزل فيه كما لم يدع ذلك معاوية عمّا ارتكبه و صار إليه ممّا أوبقه و أخرجه من ربقة الإسلام، و علي كتب الوحي كلّه في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان أول من جمعه بعد وفاته، و آلى على نفسه بعد أن قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن لا يرتدي برداء إلّا لجمعة حتى يجمع القرآن، فجمعه و كتبه من لفظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و كان يقول عليه السّلام: «ما من آية أنزلت إلّا و أنا أعلم يوم نزلت و فيما أنزلت، و لو سألتموني عمّا بين اللوحين لأخبرتكم، فاسألوني قبل أن تفقدوني» [2]، و هذا ما لم يدعه أحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا قال به.