و بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خالدا بن الوليد يدعو من حول مكة، و لم يأمره بقتال أحد و لا قتله، و بعث معه رجالا من قبائل العرب، فأتى بني خزيمة بالغميصاء، و كانوا قد قتلوا في الجاهلية عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف و الفاكهة بن المغيرة، فلمّا رأوا خالدا بن الوليد أخذوا السلاح فقال لهم: ضعوا سلاحكم.
فقال لهم رجل منهم يقال له جحدم: ويحكم إنه خالد، و اللّه ما بعد وضع السلاح إلّا الإسار و ما بعد الإسار إلّا ضرب الأعناق، و اللّه لا أضع سلاحي.
فأخذه قومه و قالوا: يا جحدم تريد أن تسفك دماءنا، إن الناس قد أسلموا و وضعت الحرب أوزارها. فلم يزالوا به حتى وضع سلاحه و وضعوا أسلحتهم لقول خالد، فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا و قتل منهم.
فانتهى الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم إني أبرأ إليك ممّا صنع خالد» ثم دعا عليا صلوات اللّه عليه و دفع إليه مالا و قال: «اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم وضع أمر الجاهلية تحت قدميك».
فتوجه علي عليه السّلام حتى أتاهم فودّى قتلاهم و ما انتهبت من أموالهم على ما قالوا و أرضاهم و قال: «هل بقي لكم شيء؟»
قالوا: لا.
قال: «فقد بقيت معي بقية ممّا وجه به معي رسول اللّه» فدفعها إليهم و أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخبره بذلك فقال صلّى اللّه عليه و آله: «لهذا أحب إلي من حمر النعم» ثم قام فاستقبل القبلة و رفع يديه حتى رأي بياض ابطيه ثم قال: «اللهم إني أبرأ إليك ممّا فعل خالد» ثلاث مرات [1].