إذ قد عرفت أن الموجودات منها ما يكون مستقلا في الوجود، و منها ما يكون رابطا بين موجودين- فاعلم أن كل كلام مركب من كلمتين أو أكثر إذا ألقيت كلماته بغير ارتباط بينهما فإن كل واحد منها كلمة مستقلة في نفسها لا ارتباط لها بالأخرى، و إنما الذي يربط بين المفردات و يؤلفها كلاما واحدا هو الحرف أو إحدى الهيئات الخاصة.
فأنت إذا قلت مثلا: أنا. كتاب. قلم- لا يكون بين هذه الكلمات ربط و إنما هي مفردات صرفة منثورة. أما إذا قلت: كتبت بالقلم- كان كلاما واحدا مرتبطا بعضه مع بعض مفهما للمعنى المقصود منه. و ما حصل هذا الارتباط و الوحدة الكلامية إلا بفضل الهيئة المخصوصة لكتبت و حرف الباء و أل.
و عليه يصح أن يقال إن الحروف هي روابط المفردات المستقلة و المؤلفة للكلام الواحد و الموحدة للمفردات المختلفة. شأنها شأن النسبة بين المعاني المختلفة و الرابطة بين المفاهيم غير المربوطة.
تماميته كان الايراد الرابع (من الايرادات المتقدمة الواردة على الجواب السابق) واردا عليه كما لا يخفى إذ نقول أن المعنى حين لحاظه استقلالا و إن لم يكن الحرف موضوعا له إلا أنه لا أقل من جواز الاستعمال فيه مجازا.
فظهر فساد كلا الجوابين المذكورين و الأولى توجيه كلام صاحب الكفاية توجيها ثالثا لا يرد عليه أي إيراد و لعلنا نشير إليه في بعض المباحث الآتية.
قوله (ره) (و حرف الباء و أل).
أقول: كون الباء من الروابط واضح. و أما (أل) ففي كونها رابطا تأمل بل منع فإنها إنما تكون للإشارة فقط و لذا يكون الكلام مربوطا سواء وجدت او عدمت غايته انه يتبدل المعنى كما تقول (جاء رجل) و (جاء الرجل).