ينحرف التتابع المشهود بواسطة تتابع آخر أجنبي حسب تصوّرنا [1] .
والجواب عن هذا الإشكال يرتبط بمسألة أُخرى ، وهي : أنّ المجتمع والتاريخ هل لهما طبيعة ذات جهة معيّنة أم لا ؟ فإن كان التاريخ موجّهاً إلى جهة معيّنة كان دور الحوادث الجزئية ضئيلة ، بمعنى أنّها وإن تسبّبت في تبديل الشخصيات ، إلاّ أنّها لا تؤثّر في المجرى العام للتاريخ ، غاية ما في الأمر أن تسرع جريانه أو تبطئه . وأمّا لو كان التاريخ فاقداً لطبيعة وشخصية تعيّن طريقه ، فسوف لا يكون له مجرى خاص معين ، ويفقد عموميته ، ولا تكون حوادثه قابلة للتنبؤ . ونحن نعتقد أنّ للتاريخ طبيعة وشخصية مستقلة ، وأنّهما تحصلان نتيجة للتركيب الخاص في الشخصيات الإنسانية التي تطلب التكامل بالفطرة . وعليه فدور الحوادث الاتفاقية لا ضرّ بعمومية التاريخ وضروراته .
ولمونتسكيو كلام لطيف حول دور الصدفة في التاريخ ، نقلنا قسماً منه سابقاً يقول : ( إذا سقطت دولة لسبب اتفاقي خاص ، فإنّ هناك بالقطع علّة عامة استوجبت ضعف تلك الدولة فسقطت بذلك السبب ) [2] .
ويقول أيضاً : ( إنّ السبب في سقوط شارل الثاني عشر ملك السويد لم يكن حرب ( بولتاوا ) ، فلو لم يهزم هناك لكان ينهزم حتماً في موضع آخر . فالحوادث الاتفاقية يمكن تداركها بسهولة ، ولكن لا يمكن الصيانة أمام الحوادث الناشئة من طبيعة الأشياء ) [3] .