الأمانةُ هي الوجه التقبّلي للخلافة ، والخلافة هي الوجه الفاعلي والعطائي للأمانة ، الأمانة والخلافة عبارة عن الاستخلاف والاستئمان وتحمّل الأعباء .
هذه الأمانة التي تقبّلها الإنسان ، وتحمّلها حينما عُرِضت عليه بنصّ الآية الكريمة ، أو بتعبير آخر : هذه العلاقة الاجتماعية بصيغتها الرباعيّة ، لم تُعرض على الإنسان على مستوى التكليف والطلب ، وليس المقصود من تقبّل هذه الأمانة هو تقبّل هذه الخلافة على مستوى الامتثال والطاعة ، والدليل على ذلك : أنّ هذا العرض كان معروضاً على الجبال والسماوات والأرض أيضاً . ومن الواضح أنّه لا معنى لتكليف السماوات والجبال والأرض . من هذا نفهم أنّ العرض ليس عرضاً تشريعياً ، بل إنّه يعني أنّ هذه العطية الربّانية كانت تفتش عن الوضع المنسجم معها بطبيعته ، بفطرته ، بتركيبه التاريخي والكوني .
الجبال لا تنسجم مع هذه الخلافة ، والسماوات والأرض لا تنسجم مع هذه العلاقة الاجتماعية الربّانية . الإنسان هو الكائن الوحيد الذي كان منسجماً مع هذه العلاقة الاجتماعية ذات الأطراف الأربعة التي تُصبح أمانة وخلافة ، بحكم تركيبه وبحكم بنيته ، وبحكم فطرة الله التي فطر الناس عليها .
العرضُ هنا إذن عرض تكويني ، والقبول هنا قبول تكويني ، وهذا هو معنى سنّة التاريخ ، أي إنّ هذه العلاقة الاجتماعية ذات الأطراف