المسألة التي تحدّثنا عنها في الفصول السابقة دارت حول ماهية التاريخ . ونتحدّث الآن عن مسألة تطوّر التاريخ ، باعتبارها المسألة الثانية من المسائل الهامّة في حقل الدراسات التاريخية .
نعلم أنّ الإنسان ليس بالموجود الاجتماعي الوحيد ، فبعض الأحياء الأُخرى ، تعيش حياة اجتماعية بدرجة وأُخرى لها وجود اجتماعي ، وتسود حياتها مظاهر التعاون وتقسيم الواجبات والمسؤوليات ، في إطار مجموعة من القواعد والقوانين والنظم .
النحل ـ كما نعلم جميعاً ـ أحد هذه الأحياء . لكن هناك اختلافاً رئيسياً بين الوجود الاجتماعي للإنسان ، والوجود الاجتماعي لهذه الأحياء ، هو أنّ الحياة الاجتماعية لتلك الأحياء ثابتة ذات شكل واحد ، وليس هناك أي تغيّر وتطوّر في نظام حياتها أو في مدنيّتها على حدّ تعبير موريس مترلينك ، إن صحّ تعبيره .
أمّا الحياة الاجتماعية للإنسان فمتغيّرة متطوّرة ، بل ذات تعجيل ، أي إنّ سرعة تغيّرها تزداد بالتدريج ؛ لهذا ينقسم تاريخ الحياة الاجتماعية للإنسان إلى مراحل مختلفة مع بعضها في مختلف المجالات .