ولو أمعنا النظر في هاتين الثنائيتين ؛ لرأينا في القرآن الكريم نوعاً من الانطباق بين القطب المادي الأول والقطب المعنوي الأول ، وهكذا بين القطب المادي الثاني والقطب المعنوي الثاني . بعبارة أُخرى : سنجد أنّ الكافرين والمشركين والمنافقين والفاسقين هم أنفسهم : الملأ والمستكبرون والمسرفون والمترفون والطواغيت ، لا غيرهم . وهكذا سنجد المؤمنين والموحدين والصالحين والمجاهدين هم : المستضعفين والفقراء والمساكين والأرقّاء والمظلومين والمحرومين أنفسهم لا غير .
وهذا يعني أنّ المجتمع ينطوي على قطبين لا أكثر : المترفين والظالمين والمستغلين وهم الذين يشكّلون فئة الكافرين . . . والمستضعفين الذين يشكلون مجموعة المؤمنين . كما يعني أنّ تقسيم المجتمع إلى مستكبر ومستضعف هو الذي خلق تقسيم المجتمع إلى كافر ومؤمن ، فالاستكبار منطَلَق الشرك والنفاق والكفر والفسق والفساد ، والاستضعافُ منطَلَق الإيمان والتوحيد والصلاح والتقوى والإصلاح .
من أجل أن يتضح هذا الانطباق تكفي مراجعة سورة الأعراف من الآية التاسعة والخمسين : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ . . . ) إلى الآية السابعة والثلاثين بعد المئة : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا . . . ) ، وهذه الآيات الأربعون استعرضت باختصار قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى ، وفيها جميعاً ( عدا قصة لوط ) نشاهد أتباع الأنبياء ينتمون إلى فئة المستضعفين ،