و الحازم الشهم من لم يلف آونة [1] # في عزه من مهنى عيشه الخضل [2]
و الغر من لم يكن في طول مدته # من خوف صرف الليالي دائم الوجل
فالدهر ظلّ على أهليه منبسط # و ما سمعنا بظل غير منتقل
كم غر من قبلنا قوما فما شعروا # الا وداعي المنايا جاء في عجل
و كم رمى دولة الأحرار من سفه # بكل خطب مهول قادح جلل
و ظل في نصرة الأشرار مجتهدا # حتى غدوا دولة من أعظم الدول
و هذه شيمة [3] الدنيا و سنتها # من قبل تحنو على الأوغاد و السفل [4]
و تلبس الحر من أثوابها حللا # من البلايا و أثوابا من العلل
يبيت منها و يضحى و هو في كمد # في مدة العمر لا يفضي إلى جذل
فاصبر على مرّ ما تلقى و كن حذرا # من غدرها فهي ذات الختر و الغيل [5]
و اشدد بحبل التقى فيها يديك فما # يجدي به المرء الا صالح العمل
و احرص على النفس و اجهد في حراستها # و لا تدعها بها ترعى مع الهمل
و انهض بها من حضيض النقص منتصبا # صوارم الحزم للتسويف و الكسل
و اركب غمار المعالي كي تبلغها # و لا تكن قانعا منهن بالبلل
فذروة المجد عندي ليس يدركها # من لم يكن سالكا مستصحب السبل
و كن أبيا عن الاذلال ممتنعا # فالذل لا ترتضيه همة الرجل
و إن عراك العنا [6] و الضيم في بلد # فانهض إلى غيره في الأرض و انتقل
و اسعد بنيل المنى فالحال معلنة # بأنّ إدراك شأو العز في النقل
و حيث يعييك نقص الحظ فاطو له # كشحا فليس ازدياد الجد بالحيل
و دارنا هذه من قبل قد حكمت # على حظوظ أهالي الفضل بالخلل
و كن عن الناس مهما اسطعت معتزلا # فراحة النفس تهوى كل معتزل
و لو خبرت الورى ألفيت أكثرهم # قد استحبوا طريقا غير معتدل
إن عاهدوا لم يفوا بالعهد أو وعدوا # فمنجز الوعد منهم غير محتمل
يحول صبغ الليالي عن مفارقهم # ليستحيلوا و سوء الحال لم يحل
[1] الآن و الاوان: الوقت و الحين ج آونة.
[2] الخضل: الناعم.
[3] الشيمة: العادة و الخلق و الطبيعة.
[4] حنا عليه: مال اليه، الوغد بفتح الواو و سكون الغين: الدنى.
[5] الختر: الغدر الغيلة؛ الخديعة.
[6] العناء: التعب.