كان هناك رجل يُدعى جميل يعمل كاتباً لسنواتٍ طويلة في بلاطِ الساسانيِّين ، وقد أدرك عصر الإمام علي (عليه السلام) ، وفي زمن خلافته (عليه السلام) كان جميل قد بلغ أرذل العمر وعندما عاد أمير المؤمنين (عليه السلام) مِن النهروان ، وسأل عن حال جميل أخبروه أنَّه لا زال على قيد الحياة ، فأمر بإحضاره ، وعند مثوله بين يدي الإمام علي (عليه السلام) ، وجده الإمامُ (عليه السلام) يحتفظ بذكائِهِ ، ولم يفقد إلاَّ بصره فسأله (عليه السلام) : (كيف ينبغي للإنسانِ ـ يا جميل ـ أنْ يكون ؟) .
قال : يجب أنْ يكون قليل الصديق كثير العدوِّ .
ـ (أحسنتَ يا جميل ، فقد أجمع الناس على أنَّ كثرة الأصدقاء أولى) .
فقال : ليس الأمر على ما ظنُّوا ؛ فإنَّ الأصدقاء إذا كُلِّفوا السعي في حاجة الإنسان لم ينهضوا بها كما يجب وينبغي .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (قد امتحنت هذا فوجدته صواباً . فما منفعة كثرة الأعداء ؟) .
قال : إنَّ الأعداء إذا كثروا يكون الإنسان مُتحرِّزاً أنْ ينطق بما يؤاخَذ عليه ، أو تبدر منه زَلَّة يؤاخَذ عليها ، فيبقى على هذه الحالة سليماً مِن الخطايا والزَّلل . فاستحسن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)[1] .