ينفك عن القصد بحال ، سواء عبّر عنه بلفظ خاص أم لا يعبّر ، وسواء التفت إلى قصده أو لم يلتفت ، ولذا اتفق الجميع على أن التلفظ بالنية غير مطلوب ، كما أنّه من المحال أيضاً ـ بحسب المعتاد ـ أن يقصد الظهر من العصر ، والفرض من النفل ، مع معرفته وتمييزه بين الصلاتين .
ومهما يكن ، فإنّ الكلام عن النية وأقسامها لم يكن معروفاً بين القدامى الذين أسّسوا للدين والشريعة . ومن الخير أن ننقل هنا كلاماً لعالمين كبيرين : أحدهما من فقهاء السنّة ، وهو ابن القيّم ، والثاني من الإمامية ، وهو السيد محمد ( صاحب المدارك ) .
قال الأوّل في كتاب ( زاد المعاد ) كما في الجزء الأوّل من كتاب المغني لابن قدامة : ( كان النبي ( صلّى الله عليه وسلّم ) إذا قام إلى الصلاة قال : ( الله أكبر ) ولم يقل شيئاً قبلها ، ولا تلفظ بالنية البتة ، ولا قال : أصلي كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماماً أو مأموماً ، ولا قال : أداء ولا قضاء ولا فرض الوقت ، وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة ) .
وقال الثاني في كتاب ( مدارك الأحكام مبحث النية أوّل الصلاة ) : ( المستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في النية ، وأنّ المعتبر فيها قصد الفعل المعيّن طاعةً لله تعالى ، وهذا القدر أمر لا ينفك منه عاقل متوجه الى ايقاع العبادة ، ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو كلّف الله بالصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية كان تكليفاً بما لا يطاق . وذكر الشهيد في الذكرى أنّ المتقدمين من علمائنا ما كانوا يذكرون النية في كتبهم الفقهية ، بل يقولون : أوّل واجبات الوضوء غسل الوجه ، وأوّل واجبات الصلاة تكبيرة الإحرام ، وكأنّ وجهه أنّ القدر المعتبر من النية أمر لا يكاد يمكن الانفكاك عنه ، وما زاد عنه فليس بواجب ، وممّا يؤيده أنّ النية لم يرد لها ذكر في شيء من العبادات على الخصوص ،