نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 16
الأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرّت بأفعاله الطبيعية، و هي الأمراض الأكثرية، و سببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، و الزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن و تناول، الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم، و الإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية، و اعتاد ذلك، أورثته أمراضا متنوعة، منها بطيء الزوال و سريعه، فإذا توسط في الغذاء، و تناول منه قدر الحاجة، و كان معتدلا في كميته و كيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
و مراتب الغذاء ثلاثة: احدها: مرتبة الحاجة. و الثانية: مرتبة الكفاية.
و الثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبي (صلى اللّه عليه و سلم): انه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، و لا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، و يدع الثلث الآخر للماء، و الثالث للنفس، و هذا من أنفع ما للبدن و القلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، و عرض له الكرب و التعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا الى ما يلزم ذلك من فساد القلب، و كسل الجوارح عن الئاعات، و تحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع. فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب و البدن.
هذا إذا كان دائما أو اكثريا. و أما اذا كان في الأحيان، فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي (صلى اللّه عليه و سلم) من اللبن، حتى قال: و الذي بعثك بالحق، لا أجد له مسلكا [1] و أكل الصحابة بحضرته مرارا حتى شبعوا.
و الشبع المفرط يضعف القوى و البدن، و إن أخصبه، و إنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته.
و لما كان في الانسان جزء أرضي، و جزء هوائي، و جزء مائي، قسم النبي (صلى اللّه عليه و سلم) طعامه و شرابه و نفسه على الأجزاء الثلاثة.
فإن قيل «فأين حظ الجزء الناري؟.
قيل: هذه مسألة تكلم فيها الأطباء، و قالوا: إن في البدن جزء ناريا بالفعل، و هو أحد أركانه و أسطقساته» [2].
[1] أخرجه البخاري في الرقاق: باب كيف كان عيش النبي (صلى اللّه عليه و سلم) و أصحابه و تخليهم عن الدنيا