responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية    جلد : 1  صفحه : 145

فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا، فبين يديه الكير الأعظم، فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا و مسبكها خير له من ذلك الكير و المسبك، و أنه لا بد من أحد الكيرين، فليعلم قدر نعمة اللّه عليه في الكير العاجل.

و من علاجها: أن يعلم أنه لو لا محن الدنيا و مصائبها، لأصاب العبد من أدواء الكبر و العجب و الفرعنة و قسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا و آجلا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقّده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب، تكون حمية له من هذه الأدواء، و حفظا لصحة عبوديته، و استفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه، و يبتلى بنعمائه كما قيل:

قد ينعم اللّه بالبلوى و إن عظمت* * * و يبتلي اللّه بعض القوم بالنّعم‌

فلو لا أنه- سبحانه- يداوي عباده بأدوية المحن و الابتلاء، لطغوا، و بغوا، و عتوا، و اللّه- سبحانه- إذا أراد بعبد خيرا سقاه دواء من الابتلاء و الامتحان على قدر حاله يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذّبه و نقّاه و صفّاه، أهّله لأشرف مراتب الدنيا، و هي عبوديته، و أرفع ثواب الآخرة، و هو رؤيته و قربه.

و من علاجها: أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، يقلبها اللّه سبحانه كذلك، و حلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، و لأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا، فانظر إلى قول الصادق المصدوق: «حفّت الجنّة بالمكاره و حفّت النار بالشّهوات» [1].

و في هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق، و ظهرت حقائق الرجال، فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول، و لم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد، و لا ذلّ ساعة لعز الأبد، و لا محنة ساعة لعافية الأبد، فإن الحاضر عنده شهادة، و المنتظر غيب، و الإيمان ضعيف، و سلطان الشهوة حاكم، فتولد من ذلك إيثار العاجلة، و رفض الآخرة، و هذا حال النظر الواقع على ظواهر الأمور،


[1] أخرجه مسلم في الجنة.

نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية    جلد : 1  صفحه : 145
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست