responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية    جلد : 1  صفحه : 113

تدفع قوة توكّله قوّة العدوى، كما تدفع الطبيعة قوة العلة فتبطلها، و بعض الناس لا يقوى على ذلك، فخاطبه بالاحتياط و الأخذ بالتحفظ، و كذلك هو (صلى اللّه عليه و سلم) فعل الحالتين معا، لتقتدي به الأمة فيهما، فيأخذ من قوي من أمته بطريقة التوكل و القوة و الثقة باللّه، و يأخذ من ضعف منهم بطريقة التحفظ و الاحتياط، و هما طريقان صحيحان. أحدهما: للمؤمن القوي، و الآخر للمؤمن الضعيف، فتكون لكل واحد من الطائفتين حجة و قدوة بحسب حالهم و ما يناسبهم، و هذا كما أنه (صلى اللّه عليه و سلم) كوى، و أثنى على تارك الكي، و قرن تركه بالتوكل، و ترك الطّيرة، و لهذا نظائر كثيرة، و هذه طريقة لطيفة حسنة جدا من أعطاها حقّها، و رزق فقه نفسه فيها، أزالت عنه تعارضا كثيرا يظنه بالسّنة الصحيحة.

و ذهبت فرقة أخرى إلى أن الأمر بالفرار منه، و مجانبته لأمر طبيعي، و هو انتقال الداء منه بواسطة الملامسة و المخالطة و الرائحة إلى الصحيح، و هذا يكون مع تكرير المخالطة و الملامسة له، و أما أكله معه مقدارا يسيرا من الزمان لمصلحة راجحة، فلا بأس به، و لا تحصل العدوى من مرّة واحدة و لحظة واحدة، فنهى سدا للذريعة، و حماية للصحة، و خالطه مخالطة ما للحاجة و المصلحة، فلا تعارض بين الأمرين.

و قالت طائفة أخرى: يجوز أن يكون هذا المجذوم الذي أكل معه به من الجذام أمر يسير لا يعدي مثله، و ليس الجذمى كلّهم سواء، و لا العدوى حاصلة من جميعهم، بل منهم من لا تضرّ مخالطته، و لا تعدي، و هو من أصابه من ذلك شي‌ء يسير، ثم وقف و استمر على حاله، و لم يعد بقية جسمه، فهو أن يعدي غيره أولى و أحرى.

و قالت فرقة أخرى: إن الجاهلية كانت تعتقد أن الأمراض المعدية تعدي بطبعها من غير إضافة إلى اللّه سبحانه، فأبطل النبيّ (صلى اللّه عليه و سلم) اعتقادهم ذلك، و أكل مع المجذوم ليبين لهم أن اللّه سبحانه هو الذي يمرض و يشفي، و نهى عن القرب منه ليتبين لهم أن هذا من الأسباب التي جعلها اللّه مفضية إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، و في فعله بيان أنها لا تستقلّ بشي‌ء، بل الربّ سبحانه إن شاء سلبها قواها، فلا تؤثر شيئا، و إن شاء أبقى عليها قواها فأثرت.

و قالت فرقة أخرى: بل هذه الأحاديث فيها الناسخ و المنسوخ، فينظر في تاريخها، فإن علم المتأخر منها، حكم بأنه الناسخ، و إلا توقفنا فيها.

نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية    جلد : 1  صفحه : 113
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست