فلقد انطبع على هذه الخلة منذ كان غلاما و يافعا حتى أورده المنون قعر الرجم، فقد كان يترفع عن الصلات له و لخاصته مهما كان المانح، حتى و لو كان أباه و لا يقبلها و لو ملك بها ناصية اليسار، و وقائعه و قضاياه في ذلك معروفة مشهورة. و هو و في مهما كلفه الأمر من تضحية. يلبي داعي الوفاء للوفاء، فلا يبالي في سبيل ذلك بطشة الجبار و لا سوط المتأمر و لا يتعمده للخطوة و نيل الأماني، فقد توجع لخلع (الطائع) و هو طريد (بهاء الدولة) و مفجوع غضبه في المستهلة بقوله:
إن كان ذاك الطود خر # فبعد ما استعلى طويلا
ثم يرثيه يوم توفى في الإعتقال بعد جدع أنفه و أذنيه بقصيدته التي مطلعها:
ما بعد يومك ما يسلو به السالي # و مثل يومك لم يخطر على بالي
و ليس من أغراض الشريف في توجعه و رثائه أن يستشير نخوة (القادر باللّه) ليوفي له حقه، كما وفاه له الطائع.
و إن كانت مدائحه للطائع أغلبها مما ينسجم في مدح (القادر باللّه) فان القادر باللّه من ذلك المعشر الذي يقول فيهم الشريف في مدحه للطائع:
من معشر ركبوا الفلا # و أبوا عن الكرم النزولا
كرموا فروعا بعدما # طابوا و قد عجموا أصولا
فهي مما لا يتبرم به القادر باللّه أضف إلى ذلك أن القادر لم يكن مخاصما للطائع و لا مدافعا له، و لا يعد تسليم الأمر إليه بأمر بهاء الدولة معروفا في حقه. فان الخلافة حقهم و بهاء الدولة مسيطر باغ قد اغتصب منهم سلطان الخلافة، و ترك لهم شكلها و أسماءها. و أيضا فليس مراثي الشريف له و لغيره شواهد على الوفاء فان الشاعر في رثائه إذا كان