أو يقال: إنّ جعل الحرج قد يكون بإنشاء حكم فيه الحرج بنفسه، و قد يكون بجعل حكم في مورد يلزم الحرج و إن لم يكن في أصل الحرج فتأمّل.
و (ثانيا) أنّ ما يدلّ عليه الآيات بظاهرها نفي العسر بنفسه، و هو انّما يقتضي الاقتصار على موضع تحقّق فيه العسر و التعدّي إلى غير مورده انّما يصحّ إذا كان ذلك من افراد موضوع الحكم الذي تعسر امتثاله في بعض مصاديقه [1]، لما دلّ على أنّ الأحكام الشرعية الكلّية ترفع بوجود العسر في أغلب مواردها، و أفراد الشبهات المحصورة ليست داخلة في موضوع حكم واحد، لأن سبب الاجتناب في كل مورد دليل ذلك المورد، فإيجاب الاحتياط عند اشتباه النجس بغيره لو كان مرفوعا- لكونه حرجيّا- يلزم منه التعدّي إلى المشتبهة بالأجنبية، لأنّ [2] وجوب الاحتياط في الأوّل انّما نشأ من قوله: اجتنب عن النجس، و في الثاني من قوله: اجتنب عن الأجنبية.
لا يقال: إيجاب الاحتياط عند اشتباه الحرام بغيره حكم عقلي- نسبة موضوعه إلى المشتبه بالخمر كنسبته إلى المشتبه بالبول-، لصدقه على كليهما و موافقة هذا الحكم توجب الحرج على أغلب المكلّفين و في أغلب أقسام المشتبهات فهو مرفوع عنهم.
لأنّا نقول: الذي يدلّ عليه الأدلّة: هو أنّ الحكم الشرعي إذا لزم منه وقوع المكلّف في الحرج في أغلب مصاديقه مرفوع، و انما حكم الشارع بحرمة أمور لزم الحرج على المكلّفين في امتثال تلك الاحكام عند اشتباه تلك الأمور بأمور غير محصورة، لحكم العقل بوجوب الامتثال اليقيني، و الجامع المذكور ليس موضوعا لحكم الشارع، و انما انتزعه العقل من الموارد الخاصة و حكم عليه بوجوب الاجتناب، لاستقلاله بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة عند اليقين بالاشتغال، و هذا