نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 40
و قد علمنا أنّ أفضل ما يقطع به الفرّاغ نهارهم، و أصحاب الفكاهات ساعات ليلهم، الكتاب. و هو الشيء الذي لا يرى لهم فيه مع النيل أثر في ازدياد تجربة و لا عقل و لا مروءة، و لا في صون عرض، و لا في إصلاح دين، و لا في تثمير مال، و لا في ربّ صنيعة [1] و لا في ابتداء إنعام.
27-[أقوال لبعض العلماء في فضل الكتاب]
و قال أبو عبيدة، قال المهلّب لبنيه في وصيّته: يا بنيّ لا تقوموا في الأسواق إلاّ على زرّاد أو ورّاق [2] .
و حدّثني صديق لي قال: قرأت على شيخ شاميّ كتابا فيه من مآثر غطفان فقال: «ذهبت المكارم إلاّ من الكتب» [3] .
و سمعت الحسن اللؤلؤي يقول: غبرت [4] أربعين عاما ما قلت [5] و لا بتّ و لا اتكأت إلاّ و الكتاب موضوع على صدري.
و قال ابن الجهم: إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم-و بئس الشيء النوم الفاضل عن الحاجة-قال: فإذا اعتراني ذلك تناولت كتابا من كتب الحكم، فأجد اهتزازي للفوائد، و الأريحيّة التي تعتريني عند الظفر ببعض الحاجة، و الذي يغشى قلبي من سرور الاستبانة و عزّ التبيين أشدّ إيقاظا من نهيق الحمير و هدّة الهدم.
و قال ابن الجهم: إذا استحسنت الكتاب و استجدته، و رجوت منه الفائدة و رأيت ذلك فيه-فلو تراني و أنا ساعة بعد ساعة أنظر كم بقي من ورقه مخافة استنفاده، و انقطاع المادّة من قلبه، و إن كان المصحف عظيم الحجم كثير الورق، كثير العدد-فقد تمّ عيشي و كمل سروري.
و ذكر العتبي كتابا لبعض القدماء فقال: لو لا طوله و كثرة ورقه لنسخته. فقال
[2] الزرّاد: صانع الدروع. (اللسان: زرد) . و المهلب يوصي بنيه بذلك لاستكمال صناعة الجندية. إذ لا يليق بالجند الوقوف في أسواق العطارين و الصاغة. انظر التعابي الحربية لابن منكلي، الورقة 71.