نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 114
الفحول بأشدّ من تباغض الأعداء فيما بينهم، حتّى ليس بين الحاسد الباغي و بين أصحاب النّعم المتظاهرة، و لا بين الماشي المعنّى و بين راكب الهملاج الفاره [1] ، و لا بين ملوك صاروا سوقة، صاروا ملوكا، و لا بين بني الأعمام مع وقوع التنافس، أو وقوع الحرب، و لا بين الجيران و المتشاكلين في الصناعات، من الشنف و البغضاء، بقدر ما يلتحف عليه الخصيان للفحول.
و بغض الخصيّ للفحل من شكل بغض الحاسد لذي النعمة، و ليس من شكل ما يولّده التنافس و تلحقه الجنايات.
و لرجال كلّ فنّ و ضرب من الناس، ضرب من النسك، إذ لا بدّ لأحدهم من النزوع، و من ترك طريقته الأولى: فنسك الخصيّ غزو الروم، لما أن كانوا هم الذين خصوهم، و لزوم أذنة و الرّباط بطرسوس و أشباهها. فظنّ عند ذلك أهل الفراسة أنّ سبب ذلك إنّما كان لأنّ الرّوم لما كانوا هم الذين خصوهم، كانوا مغتاظين عليهم، و كانت متطلّبة إلى التشفّي منهم، فأخرج لهم حبّ التشفّي شدّة الاعتزام على قتلهم، و على الإنفاق في كلّ شيء يبلغ منهم. و نسك الخراسانيّ أن يحجّ: و نسك البنوي [3]
أن يدع الديوان. و نسك المغنّي: أن يكثر التسبيح و هو يشرب النبيذ، و الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم، و الصلاة في جماعة. و نسك الرافضيّ: إظهار ترك النبيذ. و نسك السّواديّ ترك شرب المطبوخ فقط. و نسك اليهوديّ: إقامة السبت. و نسك المتكلّم: التسرّع إلى إكفار أهل المعاصي، و أن يرمى الناس بالجبر، أو بالتعطيل، أو بالزندقة، يريد أن يوهم أمورا:
منها أنّ ذلك ليس إلاّ من تعظيمه للدّين، و الإغراق فيه، و منها أن يقال: لو كان نطفا، أو مرتابا، أو مجتنحا على بليّة، لما رمى الناس، و لرضي منهم بالسلامة، و ما كان ليرميهم إلاّ للعزّ الذي في قلبه، و لو كان هناك من ذلّ الرّيبة شيء لقطعه ذلك عن التعرّض لهم، أو التنبيه على ما عسى إن حرّكهم له أن يتحرّكوا. و لم نجد في المتكلّمين أنطف و لا أكثر عيوبا، ممّن يرمي خصومه بالكفر.
[1] الهملاج: البرذون، و الهملاج: حسن سير الدابة في سرعة. (اللسان: هملج) .