و لو أنّ أقبح الناس وجها، و أنتنهم ريحا، و أظهرهم فقرا، و أسقطهم نفسا، و أوضعهم حسبا، قال لإمرأة قد تمكّن من كلامها، و مكّنته من سمعها: و اللّه يا مولاتي و سيّدتي، لقد أسهرت ليلى، و أرّقت عيني، و شغلتني عن مهمّ أمري، فما أعقل أهلا، و لا مالا، و لا ولدا؛ لنقض طباعها، و لفسخ عقدها، و لو كانت أبرع الخلق جمالا، و أكملهم كمالا، و أملحهم ملحا. فإن تهيّأ مع ذلك من هذا المتعشّق، أن تدمع عينه، احتاجت هذه المرأة أن يكون معها ورع أمّ الدرداء، و معاذة العدويّة، و رابعة القيسيّة، و الشجّاء الخارجيّة.
136-[زهد الناس فيما يملكونه و رغبتهم فيما ليس يملكونه]
و إنّما قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه: «اضربوهنّ بالعري» [2] لأنّ الثياب هي المدعاة إلى الخروج في الأعراس، و القيام في المناحات، و الظهور في الأعياد، و متى كثر خروجها لم يعدمها أن ترى من هو من شكل طبعها. و لو كان بعلها أتمّ حسنا، و الذي رأت أنقص حسنا، لكان ما لا تملكه، أطرف ممّا تملكه، و لكان ما لم تنله، و لم تستكثر منه، أشدّ لها اشتغالا و أشد لها اجتذابا. و لذلك قال الشاعر: [من الطويل]
و للعين ملهى بالتّلاد و لم يقد # هوى النفس شيء كاقتياد الطرائف
و قال سعيد بن مسلم: لأن يرى حرمتي ألف رجل على حال تكشف منها و هي لا تراهم، أحبّ إليّ من أن ترى حرمتي رجلا واحدا غير منكشف.
و قال الأوّل: لا يضرّك حسن من لم تعرف؛ لأنّك إذا أتبعتها بصرك، و قد نقضت طبعك، فعلمت أنّك لا تصل إليها بنفسك و لا بكتابك و لا برسولك، كان الذي رأيت منها كالحلم، و كما يتصور للمتمنّي، فإذا انقضى ما هو فيه من المنى، و رجعت نفسه إلى مكانها الأوّل، لم يكن عليه من فقدها إلاّ مثل فقد ما رآه في النوم، أو مثّلته له الأمانيّ.
[1] ورد قولها في البيان 1/324، و مجالس ثعلب 304، و ربيع الأبرار 3/158، و هو من الأمثال في مجمع الأمثال 2/93، و المستقصى 2/195، و جمهرة الأمثال 2/114، 126.
[2] عيون الأخبار 4/78. و انظر في مثل قوله ربيع الأبرار 5/282-283.
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 112