و الصّبر في المحنة، و الشّدائد. أنّ الّذين ينشدون في محافل التّعزية:
لا تطهر الأرض من رجس العدى أبدا* * * ما لم يسل فوقها سيل الدّم العرم [1]
لا يبكون بكاء الذّل و الضّعف، بل ينظمون نشيد الحماسة من دموعهم، و يردّدون هتاف الحقّ و العدل من الحسرات و الزّفرات.
أمّا زيارات الأماكن المقدّسة، أمّا الصّخور و الأحجار فليست الهدف، و الغاية، و لو كانت هي القصد لكان في هذه الجبال الشّامخات غنى عن مشقّة السّفر و التّرحال، أنّ المقصود بالذّات هو صاحب المقام، أمّا الأحجار فلها شرف الإنتساب، تماما كالأحجار الّتي بني منها البيت الحرام، و مسجد الرّسول، و سائر المعابد، و كجلد القرآن الكريم [2]. و قد رأينا كيف تحتفظ الشّعوب و الدّول ببيوت الأدباء الكبار، كشكسبير، و لامرتين، و هوغو و غيرهم، و تحيطها بهالة من التّقديس و التّعظيم. و لو عرض للبيع ساعة أو حذاء أو أي شيء ينسب لعظيم قديم لبذل في سبيله أغلى الأثمان، و ما ذاك إلّا لشرف الإنتساب.
جاء في التّأريخ أنّه حين أتي برأس الحسين إلى يزيد كان يتّخذ مجالس الشّرب، و الرّأس الشّريف بين يده، فصادف أن دخل عليه رسول ملك الرّوم،
[1] انظر، ديوان سيّد حيدر الحلّي ((قدّس سرّه)) من قصيدة في رياض المدح و الثّناء: 55.
[2] حكم الفقهاء بتحريم تنجيس المساجد أرضها، و حيطانها، و حصيرها، و فرشها، و أوجبوا إزالة النّجاسة، و قالوا: بتحريم مس كتابة القرآن الكريم إلّا مع الوضوء، و قال الشّافعيّة: لا يجوز مس جلده أيضا، حتّى و لو انفصل عنه، و لا مس علّاقته ما دام القرآن معلّقا بها. (منه (قدّس سرّه)).
انظر، السّنن الكبرى للبيهقي: 1/ 87، تنوير الحوالك: 1/ 303، سنن الدّار قطني: 1/ 121، أحكام القرآن للجصّاص: 5/ 300، تفسير الثّعالبي: 4/ 357، المطالب العالية: 1/ 28.