قال: «و من جملة الآيات المستدلّ بها على حجّية خبر الواحد [1]: قوله تعالى في سورة البراءة: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» [2].
أقول:- و لو من باب التكرار و التوضيح- قد ورد للآية تفسيران: أحدهما:- و هو الأظهر الأشهر من الأخبار و الآثار- بأنّ المراد وجوب النفر إلى البلاد لأجل التفقّه في الدين و المراجعة بعده لأجل إنذار الجاهلين.
و ثانيهما: بأنّ المراد نهي المؤمنين عن نفر جميعهم إلى الجهاد، كما يظهر من صدر الآية، و هو قوله: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ... إلخ.
و يحتمل معنى ثالث: و هو كون المراد من النفر، النفر إلى الجهاد مع كون التفقّه غاية من النفر أيضا، بناء على ما قيل من أنّ المراد حصول البصيرة في الدين من مشاهدة آيات اللّه، و ظهور أوليائه على أعدائه، و سائر ما يتّفق في حرب المسلمين مع الكفّار من آيات عظمة اللّه و حكمته، فيخبر بذلك عند رجوعه إلى الفرقة المتخلّفة الباقية.
و يحتمل معنى رابع: و هو كون المراد النفر إلى الجهاد على أن يكون غاية النفر هو الجهاد خاصّة لا التفقّه و الإنذار خاصّة، كما هو مقتضى كلّ من التفسيرين الأوّلين، و لا الجهاد مع التفقّه و الإنذار، كما هو مقتضى المعنى الثالث، و على ذلك المعنى و هو المعنى الرابع يكون التفقّه و الإنذار من قبيل الفائدة لا الغاية. هذا كلّه في تشخيص المعاني المحتملة للآية.
و أمّا تشخيص الظاهر عن غير الظاهر منها، و تشخيص مبنى الاستدلال و توقّفه على أيّ منها فتفصيله: هو أن يقال: أمّا المعنى الأخير فهو و إن أوجب