الحادية عشر: أنّ تحسين الخلق فيه جواز على الصراط يوم
تزلّ فيه الأقدام.
______________________________
قوله:
«إنّ تحسين الخلق فيه جواز على الصراط».
فإن قلت: الخلق
غريزي من جنس الخليقة لا يستطاع تغييره خيرا أو شرّا كما قال، و ما هذه إلّا خلاف
الغرائز، فمنهنّ محمود، و منها مذموم، و لن يستطيع الدهر تغيير خلقه ليتمّ و لا
يستطيعه متكرّم.
و يدلّ عليه
قوله 6: من آتاه اللّه وجها حسنا و خلقا حسنا، فليشكر اللّه.
و محال أن يمكن
للمخلوق تغيير فعل الخالق، فالتكليف بتحسين الأخلاق و تهذيبها تكليف بما لا يطاق.
قلت: بل هو
كسبي،
كقوله 6 «حسّنوا أخلاقكم»
فلو لم يكن
كسبيا لما أمر به، و لأنّا نرى كثيرا من الناس يزاولون و يمارسون خلقا من الأخلاق
حتّى يصير ملكة. و قيل: إنّ أصله غريزي و تمامه مكتسب، و ذلك أنّ اللّه تعالى خلق
الأشياء على ضربين: بالفعل و لم يجعل للعبد فيه عملا كالسماء و الأرض و الهيئة، و
بالقوّة و هو ما خلقه خلقا ما و جعل فيه قوّة رشح الإنسان لا كماله و تغيير حاله و
إن لم يرشحه لتغيير ذاته، كالنوى الذي جعل فيه قوّة النخل و منهل للإنسان سبيلا أن
يجعله بعون اللّه نخلا، و أن يفسده إفسادا، و الخلق من الإنسان يجري هذا المجرى في
أنّه لا سبيل له إلى تغييره القوّة التي هي السجية و الغريزة.
و جعل له سبيلا
إلى إسلاسها، و لهذا قال: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها و لو لم يكن
كذلك لبطلت فائدة المواعظ و الوصايا و الوعد الوعيد و الأمر و النهي، و لما جوّز
العقل أن يقال للعبد: لم فعلت؟ و لم تركت؟ و كيف يكون هذا في الإنسان ممتنعا، و قد
وجدناه في بعض البهائم ممكنا، فالوحشي قد ينتقل بالعادة إلى التأنّس