و السرّ في تقديم الخاصّ على العامّ ما أشرنا إليه؛ من أنّ التعارف و التداول في محيط التقنين و الأخبار الصادرة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لمّا كان بيانَ الاصول و القوانين الكلّية منفصلة عن مخصّصاتها، لا يرى العرف تعارضاً بينهما، و يكون الجمع بينهما عرفيّاً عقلائيّاً.
و إن شئت قلت: إنّ أصالة الجدّ في العامّ صارت ضعيفة في العمومات الصادرة عن المقنّنين؛ بحيث لا تقاوم أصالة الجدّ في الخاصّ، فهي تتقدّم عليها؛ لقوّتها و ضعف مقابلتها، للتعارف المشار إليه، هذا في الظاهرين.
و أمّا إذا كان الخاصّ قطعيّ الدلالة و ظنّي السند، فتقديمه عليه أيضاً لعدم التخالف بينهما في مقام الجمع و الدلالة، و مع عدم تخالفهما لا يكون السند الظنّي معارضاً للظاهر الظنّي، حتّى يتشبّث بما أفاده العلّامة الأنصاريّ (قدس سره) [1] ممّا هو بعيد
[1] فرائد الاصول: 432- 433. و العلامة الأنصاري: هو المحقق المؤسس الاصولي و الفقيه البارع الرجالي الشيخ مرتضى ابن الشيخ محمد أمين التستري المعروف بالأنصاري نسبة لجدّه جابر بن عبد اللَّه. ولد عام 1214 ه. ق، في مدينة دزفول، و فيها شرع بتحصيله العلمي، ثمّ حضر على السيد المجاهد و شريف العلماء و الشيخين موسى و عليّ كاشف الغطاء و الشيخ النراقي. كان (قدس سره) مبتكراً في أنظاره الفقهية و الاصولية صاحب نظريات جديدة و عميقة، لذا قال استاذه النراقي: إنّه شاهد خمسين مجتهداً لم يرَ فيهم كالشيخ الأنصاري. تولّى المرجعية بعد وفاة صاحب الجواهر. و توفّي سنة 1281 ه. ق، له عدّة كتب أهمّها: الرسائل و المكاسب و كتاب في الطهارة و آخر في الصلاة. انظر أعيان الشيعة 10: 117، معارف الرجال 2: 399.