ثالثها: قول بريرة: أ تأمرني يا رسول اللّه؟ فقال لها (ص): لا، إنما أنا شافع.
و لا ريب أنها مستعملة في الوجوب فيهما.
و فيه: أن الاستعمال أعم من الحقيقة و المجاز، و ربما يكون مجازا و القرينة عليه في الأول تقديم المشقة، و في الثاني قرينة حالية أو مقالية خفيت علينا، و مع الشك يكون هذا الدليل ظنيا، و مثله ليس بحجة، و بالجملة استعمال المادة فيهما في الوجوب في الموردين مما لا ينكر، و لكنّه لا يستلزم كونه حقيقة.
رابعها: قوله تعالى ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ[1]،
فإن حمل الاستفهام على كونه بداعي طلب الفهم محال في حقه تعالى، فلا بد أن يكون بداعي التوبيخ و شبهه، و هو لا يحسن إلا على ترك الواجب.
و فيه: أولا: أنا نسلم أنه يدل على أن أمره له كان للوجوب، و لكنّه لا يدل على وضعها له.
و ثانيا: أنه إنما وبّخه على مخالفة الأمر بالصيغة، أعني قوله تعالى فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ[2] و قوله اسْجُدُوا لِآدَمَ[3].
و الإنصاف أن المتبادر من مادة الأمر في هذه المواضع بل و غيرها هو الوجوب، و لا أقل من ظهورها فيه، و أما استعمالها في الطلب بنفس المادة فقليل جدا، فإن المولى يقول لعبده اسقني الماء، ثم يقول له، قد أمرتك أن تسقيني