تارة بأنّ مثل هذا الاستعمال ليس بحقيقيّ و لا مجازيّ، أمّا كونه ليس بحقيقي فلأنّ شرط الاستعمال الحقيقيّ سبق الوضع على الاستعمال، و هو هنا مفقود، و أما كونه ليس مجازيا فلأن شرط الاستعمال المجازي وجود العلاقة المصححة للاستعمال بين المعنى المجازي و المعنى الحقيقي، و ملاحظتها حال الاستعمال، و كل ذلك مفقود.
و الجواب: أنّا نسلم ذلك و نقول: أنّه لا محذور فيه بعد كونه مما يستحسنه الطبع.
و أخرى: بأنّ اللفظ في حال الوضع يكون ملحوظا باللحاظ الاستقلالي، و في حال الاستعمال يكون ملحوظا باللحاظ الآلي، فإذا كان واضعا و مستعملا في آن واحد يلزم اجتماع اللحاظين الآلي و الاستقلالي، و يلزم أيضا كون الاستعمال في عرض الوضع، مع أنّه متأخر عنه رتبة.
و الجواب: أنّ الاستعمال الحقيقي متأخر رتبة عن الوضع، و هذا لا ينافي وحدتهما زمانا.
الأمر الثاني: لا ينبغي الريب في أنّ الكلام إنّما هو بالنسبة للمخترعات الشرعية كالصلاة، دون المقررات.
و لكن عن الباقلاني أنّها كلها مقررة لكونها موجودة في الشرائع السابقة، و استدل له بقوله تعالى (وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) و بقوله تعالى (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً).
و فيه: أنّا نقطع بالمغايرة، و يشهد له قوله تعالى (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)، فإنّ الصوم بهذا المعنى غير الصوم بالمعنى الشرعي. و بالجملة خلاف الباقلاني من قبيل الاجتهاد في الضروريات.