ثم إنّ العلماء و إن عاملوا هذه الرسوم معاملة الحدود، فأكثروا فيها النقض و الإبرام بعدم الاطراد و الانعكاس، إلا أنّ المحققين منهم متنبهون لما قلناه.
إن قلت: أنّ هذا إنّما يتم بالنسبة لأوّل تعريف صدر منهم، أمّا بالنسبة للتعاريف المتأخرة عنه فلا، قلت: لا مانع من كونهم تنبهوا لما ذكرناه، و مع ذلك اهتموا في أمر الاطراد و الانعكاس طلبا للرسم الأوضح.
ثم أنّ الظاهر أنّ المرتكز من مفهوم كلّ علم عند أهله أوضح مما يذكر له من التعاريف المذكورة في كتبهم، و يشهد لذلك أنّ مصدر النقض و الإبرام إنّما هو بالمرتكز في أذهانهم الذي كانت تلك التعاريف غير جامعة أو مانعة بالنسبة له.
مرتبة علم الأصول
اعلم أنّ لبعض العلوم تقدما رتبيا على بعض، و إنّما يتقدم أحدها على الآخر لتوقف معرفته عليه، فالنحو مثلا متقدم على المعاني و البيان و هما معا يتقدمان على علم التفسير، و التفسير على علم الأصول، و الأصول مقدم على الفقه، و السبب في ذلك هو اشتمال السابق على مبادئ اللاحق و توقف فهمه عليه.
ثم إنّ هذا العلم في عرض جملة من العلوم كالعلوم الرياضية لعدم توقف شيء منهما على الآخر.