المعروف أنّ الوجوب هو طلب الفعل مع المنع من الترك، و أنّ الاستحباب هو طلب الفعل مع الترخيص في الترك، و ظاهر ذلك كون الوجوب مركبا من جنس وجودي و فصل عدمي، و كون الاستحباب مركبا من أمرين وجوديين.
[المحتملات فيهما من حيث أنهما بسيطان أو مركبان]
و التحقيق أن يقال: إنّ المحتملات فيهما متعددة:
أحدها: أنّهما بسيطان لا مركبان.
ثانيها: أنّهما مركبان من أمرين وجوديين،
فالوجوب مركب من طلب الفعل مع الإلزام، و الاستحباب مركب من طلب الفعل مع الترخيص.
ثالثها: أنّهما مركبان من جنس وجودي و فصل عدمي،
أما الجنس فهو الطلب في كل منهما، و أما الفصل فهو في الوجوب عدم الترخيص بالترك، و في الاستحباب عدم الإلزام بالفعل.
ثم لا يخفى أنّ الوجوب و الاستحباب ليسا من الماهيات الحقيقية، بل هما أشبه بالأمور الانتزاعية كالفوقية و التحتية، أو الأمور الاعتبارية كالبيع و الإجارة و النكاح و الطلاق و غيرها.
و يتفرع على هذا أنّ الجنس و الفصل فيهما ليسا حقيقين بل و لا من قبيل العرض العام و الخاص، و إنّما هما أشبه باللوازم، و من أجل ذلك يمكن تقومهما بأمرين: إما وجوديين و إما وجودي و عدمي، بخلاف الماهيات الحقيقية فإنّ تقومها بأمر عدمي مستحيل عقلا بالضرورة.
إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ مقتضى التحقيق أنّهما أمران بسيطان، و أنّهما حقيقة واحدة هوية و ماهية و وجودا، و إنّما يختلفان في مرتبة الشوق و الرغبة، و أنّ حملهما على الطلب نظير حمل النور على شروق الشمس مع اختلاف مراتبه،