الثاني: أنه لو أمكن تجرد المادة في الأزل عن الهيئات والصور، ثم عروضها عليها بعد ذلك، فتصورها بالصور المختلفة المتعاقبة يحتاج إلى علة وسبب مؤثر فيه، يقهرها ويخضعها لتقبل الهيئات والصور، وتبادلها عليه. وحينئذٍ فما هو هذا السبب المؤثر هل هو أزلي واجب الوجود أو حادث ممكن؟ فإن كان أزلياً واجباً فهو الخالق المدبر، وتمّ المدعى.
وإن كان ممكناً حادثاً عاد الحديث إليه، لأنه يحتاج إلى علة حينئذٍ، ويمتنع تسلسل علله إلى ما لا نهاية، بل لابد أن ينتهي بالآخرة إلى علة واجبة الوجود، كما سبق.
وأما دعوى: أن المادة إذا أمكن أن تكون مجردة عن الصورة أزل، ثم تعرضها الصورة، فهي التي صورت نفسه، من دون حاجة إلى مؤثر فيها خارج عنه.
فلا أظن عاقلاً يرضى به، لأن المادة بالوجدان صماء بكماء لا تعقل، فكيف يصدر منها ذلك؟! وهل يرضى العاقل لنفسه إذا رأى كتلة من الطين قد صارت تمثالاً شاخص، أو قطعاً من اللبن متناسقة، أن يقول: إنها حولت نفسها إلى ذلك من دون أن تخضع لصنعة صانع؟!.
وإلى هذا كله يرجع ما اختصره أهل المعقول من الاستدلال على حدوث العالم بقولهم المشهور: العالم متغير، وكل متغير حادث، فالعالم حادث.
والحاصل: إن قضية حدوث العالم، واحتياجه إلى العلة المؤثرة