النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). بل زاد عليه أنهم كانوا قبل مبعثه يستفتحون على الذين كفرو، بأن يقولوا لهم سوف يبعث نبي ـ ويذكرون صفته ـ فنؤمن به، ونتغلب عليكم بذلك.
ومن الظاهر أن هذا الحوار لو لم يكن له واقع لم يتعرض له القرآن الشريف، لا لما نعتقده من صدق القرآن الكريم، بل لأن تعرضه له حينئذٍ يكون مثاراً للاستنكار من الكفار واليهود والمنافقين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتشنيع عليه وإحراجه. كما أنه قد يوجب زعزعة إيمان المؤمنين وتراجعهم، وهو في غنى عن ذلك كله.
قصة المباهلة
ثانيها: قصة المباهلة، المشهورة. فإن القرآن الشريف تحدى علماء النصارى ومن لهم علم بالكتاب منهم، وطلب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعوهم للمباهلة على صدق ما جاءهم من العلم، ولكنهم امتنعوا من ذلك ورضوا بالحلّ المهين، وهو دفع الجزية.
والمفروض بعلماء أهل الكتاب أن لا يخفى عليهم صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو كذبه. ولاسيما مع إصراره على البشارة به من الأنبياء السابقين (عليهم السلام) ووجود صفته وعلاماته في كتبهم، ولا مبرر لرضاهم بالحلّ المهين مع علمهم بكذبه وافترائه. فلابد من إدراكهم صدقه. ولذا امتنعوا من مباهلته خوفاً من معاجلتهم بالعذاب، كما امتنعوا من الإقرار له والتصديق به خوفاً على مناصبهم ودنياهم، فاضطروا للرضا بالحل الوسط، وإن كان مهين.