الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْإِقْطَاعِ وَإِقْطَاعُ السُّلْطَانِ مُخْتَصٌّ بِمَا جَازَ فِيهِ تَصَرُّفُهُ وَنَفَذَتْ فِيهِ أَوَامِرُهُ ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا تَعَيَّنَ فِيهِ مَالِكُهُ وَتَمَيَّزَ مُسْتَحِقُّهُ .وَهُوَ ضَرْبَانِ : إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ .وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ .فَأَمَّا إقْطَاعُ التَّمْلِيكِ فَتَنْقَسِمُ فِيهِ الْأَرْضُ الْمُقْطَعَةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : مَوَاتٌ وَعَامِرٌ وَمَعَادِنُ ، فَأَمَّا الْمَوَاتُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يَزَلْ مَوَاتًا عَلَى قَدِيمِ الدَّهْرِ فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ عِمَارَةٌ وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ مَنْ يُحْيِيهِ وَمَنْ يُعَمِّرُهُ ، وَيَكُونُ الْإِقْطَاعُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْإِحْيَاءِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِقْطَاعَ يَجْعَلُهُ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي جَوَازِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ، وَعَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ .* ( قَدْ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَكْضَ فَرَسِهِ مِنْ مَوَاتِ النَّقِيعِ فَأَجْرَاهُ ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ رَغْبَةً فِي الزِّيَادَةِ .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْطُوهُ مُنْتَهَى سَوْطِهِ ) * .وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمَوَاتِ مَا كَانَ عَامِرًا فَخَرِبَ فَصَارَ مَوَاتًا عَاطِلًا وَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا كَانَ جَاهِلِيًّا كَأَرْضِ عَادٍ وَثَمُودَ فَهِيَ كَالْمَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عِمَارَةٌ ، وَيَجُوزُ إقْطَاعُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : * ( عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي ) * .يَعْنِي أَرْضَ عَادٍ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مَا كَانَ إسْلَامِيًّا جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ خَرِبَ حَتَّى صَارَ مَوَاتًا عَاطِلًا ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إحْيَائِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : فَذَهَبَ