والمذهب الرأسمالي يتبنى الحرية الاجتماعية الشكلية ، مؤمناً بأن الحرية الشكلية هي التجسيد الكامل لمفهوم الحرية . و ( أما الحرية الجوهرية ) - على حد تعبيرنا فيما سبق - فهي تعني في رأيه القدرة على الاستفادة من الحرية ، وليست هي الحرية نفسها . ولذلك فهو لا يعني بتوفير القدرة لدى المرء ومنحه الحرية الجوهرية ، وإنما يترك ذلك إلى ما تسنح له من فرص ويظفر به من إمكانات ، مكتفياً بتوفير الحرية الشكلية ، بالسماح له بممارسة مختلف ألوان النشاط الاقتصادي في سبيل الغابات التي يسعى إلى تحقيقها ، ورفض أي سلطة اجتماعية تمارس الضغط والإكراه ، في حقل من حقول الحياة . فللرأسمالية موقف سلبي تجاه الحرية الجوهرية ، وموقف إيجابي تجاه الحرية الشكلية ، أي أنها لا تعنى بتوفير الحرية الأولى ، وإنما تكفل للأفراد الحرية الشكلية فقط . وتوجد في رأي الرأسمالية مبررات لذلك الموقف السلبي تجاه الحرية الجوهرية تتلخص في أمرين : أحدهما : أن طاقة المذهب الاجتماعي - أي مذهب كان - قاصرة عن توفير الحرية الجوهرية لكل شخص ، وضمان القدرة على تحقيق كل ما يسعى نحوه ويهدف اليه . لأن كثيراً من الأفراد يفقدون المواهب والكفاءات الخاصة ، التي تعتبر ضرورة لتحقيق أهدافهم ، وليس في إمكان المذهب أن يجعل من المغمور نابغاً ، أو من البليد عبقرياً ، كما أن كثيراً من الأهداف لا يمكن أن يضمن لكل الأفراد الفوز بها ، فليس من المعقول - مثلاً - أن يصبح كل فرد رئيساً للدولة ، وأن يضمن للأفراد جميعاً القدرة على استلام منصب الرئاسة فعلاً ، وإنما الشيء المعقول : أن يفسح المجال أمام كل فرد ليخوض المعترك السياسي أو الاقتصادي ، ويجرب مواهبه . فإما أن ينجح ويصل إلى الذروة ، وإما أن يقف في منتصف الطريق ، وإما أن يعود من المعركة خاسراً ، وعلى أي حال فهو المسؤول الأخير عن مصيره في المعترك ، ومدى نجاحه أو فشله . والأمر الآخر : الذي تبرر به الرأسمالية تخليها عن الحرية الجوهرية : هو أن منح الفرد هذه الحرية ، بتقديم الضمانات الكافية لنجاحه في أي سبيل يسلكه ، يضعف