ذَلِكَ، فَإذَا حَصَلَ قِسْمٌ مِنَ الرُّوحِ فِى تَجْوِيفِ الدِّمَاغِ قَبِلَ مِزَاجاً وَصَلَحَ لأنْ يَصْدُرَ بِهِ عَنْهُ أَفْعَالُ الْقُوَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ بَدْءاً [1]. وَكَذَلِكَ فِى الْكَبِدِ وَ فِى الأُنْثَيَيْنِ. وَعِنْدَ الأَطِبَّاءِ مَا لَمْ يَسْتَحِلَّ الرُّوحُ عِنْدَ الدِّمَاغِ إلَى مِزَاجٍ آخَرَ لَمْ يَسْتَعِدَّ لِقَبُولِ النَّفْسِ الَّتِى هِىَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ وَالْحِسِّ. وَكَذَلِكَ فِى الْكَبِدِ وَإنْ كَانَ الامْتِزَاجُ الأَوَّلُ قَدْ أَفَادَ قَبُولَ الْقُوَّةِ الأُولَى الْحَيَوَانِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِى كُلِّ عُضْوٍ كَأَنَّ لِكُلِّ جِنْسٍ مِنَ الأفْعَالِ عِنْدَهُمْ نَفْساً [2] أُخْرَى. وَلَيْسَتِ النَّفْسُ وَاحِدَةً يَفِيضُ عَنْهَا الْقُوَى، أوْ كَانَتِ النَّفْسُ مَجْمُوعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَإنَّهُ وَإنْ كَانَ الامْتِزَاجُ الأَوَّلُ، فَقَدْ أَفَادَ قَبُولَ الْقُوَّةِ الأُولَى الْحَيَوَانِيَّةِ، حَيْثُ حَدَثَ رُوحٌ وَ قُوَّةٌ هِىَ كَمَالُهُ، لَكِنْ هَذِهِ الْقُوَّةُ وَحْدَهَا لَا تَكْفِى عِنْدَهُمْ لِقَبُولِ الرُّوحِ بِهَا سَائِرَ الْقُوَى الأُخَرِ مَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا مِزَاجٌ خَاصٌّ قَالُوا: وهَذِهِ الْقُوَّةُ مَعَ أنَّهَا مُهَيِّئَةٌ لِلْحَيَاةِ، فَهِىَ أيْضاً مَبْدَأُ حَرَكَةِ الْجَوْهَرِ الرُّوحِىِّ اللَّطِيفِ إلَى الأَعْضَاءِ وَ مَبْدَأُ قَبْضِهِ وَ بَسْطِهِ لِلتَّنْسِيمِ وَ التَّنَقِّى عَلَى مَا قِيلَ كَأنَّهَا بِالْقِيَاسِ إلَى الْحَيَاةِ تُفِيدُ [3] انْفِعَالًا، وَبِالْقِيَاسِ إلَى أَفْعَالِ النَّفْسِ وَالنَّبْضِ تُفِيدُ فِعْلًا. وَهَذِهِ الْقُوَّةُ تُشْبِهُ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةَ لِعَدَمِهَا الإِرَادَةَ فِيمَا يَصْدُرُ عَنْهَا، وَتُشْبِهُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةَ لِتَفَنُّنِ [4] أَفْعَالِهَا لأنَّهَا تَقْبِضُ وَ تَبْسُطُ مَعاً وَ تُحَرِّكَ حَرَكَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ. إلَّا أنَّ الْقُدَمَاءَ [5] إذَا قَالُوا نَفْسٌ لِلنَّفْسِ الأَرْضِيَّةِ عَنَوْا كَمَالَ جِسْمٍ طَبِيعِىٍّ آلِىٍّ وَأرَادُوا مَبْدَأَ كُلِّ قُوَّةٍ تَصْدُرُ عَنْهَا بِعَيْنِهَا حَرَكَاتٌ وَأَفَاعِيلُ
[1] ط: بدئا: ج بديا. آ: بدءاً: ب: بَدَناً.
[2] ط، آ، ج: نفساً. ب: نفس.
[3] ط، آ، ج: تفيد. ب: تقبل.
[4] ط، آ، ج: لتفنّن. ب: لتعين.
[5] ط، آ، ج: الفلاسفة. ب: القدماء.