نام کتاب : منطق المشرقيين نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 3
يلموا شعثه و يرموا ثلما يجدونه فيما بناه و يفرعوا أصولا أعطاها فما
قدر من بعده على أن يفرغ نفسه عن عهده ما ورثه منه و ذهب عمره في تفهم ما أحسن فيه
و التعصب لبعض ما فرط من تقصيره فهو مشغول عمره بما سلف ليس له مهلة يراجع فيها
عقله و لو وجدها ما استحل أن يضع ما قاله الأولون موضع المفتقر إلى مزيد عليه أو
إصلاح له أو تنقيح إياه.
و أما نحن فسهل علينا التفهم لما قالوه أول ما اشتغلنا به و لا يبعد
أن يكون قد وقع إلينا من غير جهة اليونانيين علوم و كان الزمان الذي اشتغلنا فيه
بذلك ريعان الحداثة و وجدنا من توفيق الله ما قصر علينا بسببه مدة التفطن لما
أورثوه ثم قابلنا جميع ذلك بالنمط من العلم الذي يسميه اليونانيون المنطق و لا
يبعد أن يكون له عند المشرقيين اسم غيره حرفا حرفا فوقفنا على ما تقابل و على ما
عصى و طلبنا لكل شيء وجهه فحق ما حق و زاف ما زاف.
و لما كان المشتغلون بالعلم شديدي الاعتزاء إلى المشائين من
اليونانيين كرهنا شق العصا و مخالفة الجمهور فانحزنا إليهم و تعصبنا للمشاءين إذ
كانوا أولى فرقهم بالتعصب لهم و أكملنا ما أرادوه و قصروا فيه و لم يبلغوا أربهم
منه و أغضينا عما تخبطوا فيه و جعلنا له وجها و مخرجا و نحن بدخلته شاعرون و على
ظله واقفون فإن جاهرنا بمخالفتهم ففي الشيء الذي لم يمكن الصبر عليه و أما الكثير
فقد غطيناه بأغطية التغافل فمن جملة ذلك ما كرهنا أن يقف الجهال على مخالفة ما هو
عندهم من الشهرة بحيث لا يشكون فيه و يشكون في النهار الواضح و بعضه قد كان من
الدقة بحيث تعمش عنه عيون عقول هؤلاء الذين في العصر فقد بلينا برفقة منهم عاري
الفهم كأنهم خشب مسندة يرون التعمق في النظر بدعة و مخالفة المشهور ضلالة كأنهم
الحنابلة في كتب الحديث لو وجدنا منهم رشيدا ثبتناه بما حققناه فكنا ننفعهم به و
ربما تسنى لهم الإيغال في معناه فعوضونا منفعة استبدوا بالتنقير عنها.
و من جملة ما ضننا بإعلانه عابرين عليه حق مغفول عنه يشار إليه فلا
يتلقى إلا بالتعصب فلذلك جرينا في كثير مما نحن خبراء ببجدته مجرى المساعدة دون
نام کتاب : منطق المشرقيين نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 3