* كلمة المقرّر

إنّ هناك جدلية ثنائية قائمة على مر العصور بين التيار المتشدد في نقل الفضائل والمقامات للحجج الإلهية والتيار الذي لا يستحسن مقالات الفريق الأول ويرفض كثيراً مما يعتنقه ذلك التيار، وقد سمى الفريق الأول عند الفريق الثاني بالغلاة؛ كما سمى الفريق الآخر عند الأول بالمقصرة.

وقد تخرج هذه الجدلية بين حين وأخرى عن شكلها المنطقي فتبدو كحرب قائم بين الفريقين يؤدي إلى الإدانة والتبري، فيذهب ضحيتها كثيراً من الأبرياء. والحال أنّ الأمر غير واضح لدى كل من الفريقين والخطوط غير بينة عندهما، فلا يوجد معيار وميزان يزن بها الغالي عن المقصر، وإنما هي دعايات أكثر من أن تكون حقائق وواقعيات. فكل فريق ينسب من يخالفه في القول إلى الغلو أو إلى التقصير.

ومما يشتد في غموضة الأمر هو استغلال جماعة السلطان والبلاط الحكومي على مرّ التاريخ لهذه الجدلية لصالح سياساتها الشرسة، فينسب من يعارضها في الرأي ويجهر بفضائل ومقامات موجودة في غيرها مما يبرهن عدم كفاءتها للحكومة والخلافة إلى الغلو والتجاوز عن حدود العبودية كذريعة للحكم بكفره وجواز قتله وإبادته عن صفحة الأرض. وبما يتملك الجهاز الحكومي من أبواق وأقلام مستأجرة ودعايات متفشية كان ينشر هذه التهم بكثافة في كافة أرجاء المعمورة، فيؤثر في حدوث حالة انهزامية لدى جمع من الخاصة فضلًا عن العامة.