نام کتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني نویسنده : الجرجاني، عبد القاهر جلد : 1 صفحه : 248
[تنبيه]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قد
أردنا أن نستأنف تقريرا نزيد به النّاس تبصيرا أنّهم في عمياء من أمرهم حتّى
يسلكوا المسلك الذي سلكناه، يفرغوا خواطرهم لتأمّل ما استخرجناه، و أنّهم- ما لم
يأخذوا أنفسهم بذلك، و لم يجرّدوا عناياتهم له- في غرور، كمن يعد نفسه الرّيّ من
السّراب اللامع، و يخادعها بأكاذيب المطامع.
يقال لهم: إنكم تتلون قول اللّه
تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء:
88]، و قوله عزّ و جلّ: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
[هود: 13]، و قوله: بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ
[البقرة: 23]، فقولوا الآن: أ يجوز أن يكون تعالى قد أمر نبيّه صلى اللّه عليه و
سلّم بأن يتحدّى العرب إلى أن يعارضوا القرآن بمثله، من غير أن يكونوا قد عرفوا
الوصف الذي إذا أتوا بكلام على ذلك الوصف، كانوا قد أتوا بمثله؟.
و لا بدّ من «لا»، لأنهم إن قالوا:
«يجوز»، أبطلوا التحدّي، من حيث أن التّحدّي، كما لا يخفى، مطالبة بأن يأتوا بكلام
على وصف، و لا تصحّ المطالبة بالإتيان به على وصف من غير أن يكون ذلك الوصف معلوما
للمطالب، و يبطل بذلك دعوى الإعجاز أيضا. و ذلك لأنه لا يتصوّر أن يقال: «إنّه كان
عجز، حتى يثبت معجوز عنه معلوم. فلا يقوم في عقل عاقل أن يقول لخصم له: «قد أعجزك
أن تفعل مثل فعلي»، و هو لا يشير له إلى وصف يعلمه في فعله، و يراه قد وقع عليه. أ
فلا ترى أنه لو قال رجل لآخر: «إنّي قد أحدثت في خاتم عملته صنعة أنت لا تستطيع
مثلها»، لم تتّجه له عليه حجّة، و لم يثبت به أنّه قد أتى بما يعجزه، إلا من بعد
أن يريه الخاتم، و يشير له إلى ما زعم أنه أبدعه فيه من الصّنعة، لأنه لا يصحّ وصف
الإنسان بأنه قد عجز عن شيء، حتى يريد ذلك الشيء و يقصد إليه، ثم لا يتأتّى له.
و ليس يتصوّر أن يقصد إلى شيء لا يعلمه، و أن تكون منه إرادة لأمر لم يعلمه في
جملة و لا تفصيل.
ثم إن هذا الوصف ينبغي أن يكون
وصفا قد تجدّد بالقرآن، و أمرا لم يوجد في غيره، و لم يعرف قبل نزوله. و إذا كان
كذلك، فقد وجب أن يعلم أنه لا يجوز أن يكون في «الكلم المفردة»، لأن تقدير كونه
فيها يؤدّي إلى المحال، و هو أن تكون
نام کتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني نویسنده : الجرجاني، عبد القاهر جلد : 1 صفحه : 248